الجميع، بمن فيهم الإسرائيليون، وصلوا إلى قناعة بأن استعادة أسراهم، الأحياء والأموات، لدى المقاومة الفلسطينية ليست ضمن أولويات ولا اهتمامات حكومة نتنياهو، وأنهم خارج قائمة الأهداف الحقيقية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واستعداد جيش الاحتلال لاحتلال مدينة غزة خلال الأيام القادمة، والتوسع في العمليات العسكرية، التي من الناحية العملية تُعرّض حياة الأسرى جميعًا إلى موت مؤكد.
إن الأهداف الرئيسية لاحتلال مدينة غزة، الذي يتطلب أربعة أشهر من الوقت، وفقًا لتقديرات جيش الاحتلال، تتمحور في ثلاثة أهداف رئيسية: الأول هو تدمير جميع المنشآت فوق الأرض وتسطيح مساحة المدينة شبه المدمرة لتصبح مثل بيت حانون شمالًا، وعدم صلاحيتها للحياة والسكن فيها مرة أخرى، ويتبع ذلك الهدف الثاني، وهو تهجير سكان غزة بعد إجلائهم منها قبل بدء الاجتياح العسكري المرتقب، وعدم تمكنهم من العودة إليها. أما الهدف الثالث فهو إطالة أمد الحرب لقتل مائة وخمسين ألف فلسطيني في قطاع غزة.
احتلال مدينة غزة يحشر معظم سكان القطاع في مساحة تسع كيلومترات مربعة، فوق دمار وركام وخراب، ولن يجدوا إلا الخيام الممزقة لإيوائهم، وسط التجويع والتمويت والقصف المستمر، وانعدام الأمن وجميع أسباب الحياة، لإجبارهم على الرحيل.
لكن وسط كل هذه الحشود العسكرية الإسرائيلية، والتهديدات المستمرة المؤيدة أمريكيًا، إلا أن حكومة الاحتلال تطلب من الوسطاء إقناع حركة حماس بالعودة إلى المفاوضات لتجميد خطة احتلال غزة. الأمر الذي يعني أن حكومة الاحتلال مترددة في قرار الاحتلال، وأنها تحسب ألف حساب لهذه الخطوة التي ستكلفها ثمنًا باهظًا، كما بدا واضحًا خلال الأيام القليلة الماضية.
ومنذ عدة أيام، يبحث الوسطاء والمبعوث الأمريكي "ويتكوف" مقترحًا أمريكيًا يجزّئ عملية الوقف الدائم للعدوان على قطاع غزة، بينما لا يتعامل مع الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة بنفس الطريقة، أي أنه يطالب بالإفراج عنهم دفعة واحدة، أمواتًا وأحياءً، مقابل هدنة مؤقتة يتبعها وقف دائم للحرب بضمانات أمريكية وعربية.
هذا المقترح تفوح منه رائحة الخدعة، التي تقوم على العودة للقتال والعدوان، بعد تحرير الأسرى الإسرائيليين جميعًا، إذ ليس صعبًا على حكومة الكيان إيجاد عشرات الحجج والمبررات والأسباب التي تدفعها للعودة إلى الحرب، والدوس على ما تُسمى بالضمانات والاتفاقات، التي لم تُلزمها مرة واحدة بأي اتفاق وافقت ووقّعت عليه.
تجزئة الوقف الدائم للحرب يجب أن يقابلها تجزئة الإفراج عن الأسرى الأحياء والجثث الإسرائيليين، لتجنب الوقوع في مصيدة الخداع.