تتناسل التصريحات الاسرائيلية العدوانية ، ضد الاردن خاصة، وعددا من الدول العربية الاخرى عامة ، يوما بعد يوم ، وتتسلل ( مضامينها ) الى اسماعنا وقلوبنا وعقولنا، بطريقة ( تدريجية مُمنهجة ) ونشجبها رسميا ( باشد العبارات كالعادة)، وندينها شعبيا بالشتم حينا ، وبالشماتة احيانا، فيما ( يغُط ) العالم بمعظمه - دولا ومنظمات - في سُبات عميق ، يعكس حالة تجاهل وعدم مبالاة، وكأنه ( شيطان اخرس).
التصريحات الاسرائيلية ، التي تمس السيادة ( بالنسبة للاردن ، وغيره من الدول) تُعتبر مقدمات للحرب في روح القانون الدولي، كونها تُشكل - بطريقة غير مباشرة - تهديدًا باستخدام القوة، وتحريضًا على الحرب، وتنتهك مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، خاصة وانها تصدر عن مسؤولين رسميين في الحكومة الاسرائيلية ، وليس من ( جَهلة) على وسائل التواصل الاجتماعي .
وبحسب منظري السياسة الدولية فان التصريحات المستمرة والمُهددة قد تُمهد الطريق لواقع عدواني ( عسكري، امني ، اقتصادي ) مما يجعلها تُشكل انتهاكًا مبكرًا للقانون، ويرى الداهية كارل كلاوزفيتز ( اشهر من وضع نظريات الحرب ) أن السياسة هي ( الرحم ) الذي تنمو فيه ( الحرب ) مما يعني أن السياسة ( والتصريحات جزء منها ) تضع الأساس للحرب، وتحدد أهدافها، وتقودها، وتتحمل مسؤولية نتائجها.
وانطلاقا من ذلك، فان التصريحات السياسية ضد سيادة الدول ( كما هو الحال بالنسبة للتصريحات الاسرائيلية ) هي ليست مجرد تصريحات لفظية، بل هي خطوات خطيرة تدل على نوايا عدوانية وتشكل مقدمة - محتملة - لصراع عسكري ، خاصة وان ( الحرب السياسية) تبدأ باستخدام الكلمات والصور والخرائط والأفكار، بهدف إضعاف إرادة الخصم وتغيير سلوكه قبل اللجوء الى القوة.
وقبل ان تداهمنا تصريحات وزير الاتصالات الاسرائيلي الاخيرة ضد الاردن ، كنًا ما زلنا في مرحلة رصد وتحليل ردود الفعل الدولية على تصريحات نتنياهو بشأن اسرائيل الكبرى ، التي طالت الاردن وعددا آخر من الدول العربية، في محاولة لقراءة مدى تأثيرها المستقبلي على تطورات الاوضاع في الاقليم ، لكن المُفاجيء كان حجم عدم مبالاة العالم بخطورة مضامينها، حتى ان كثيرا من دول العالم ( الوازنة ) لم تُعلًق عليها، مما يطرح سؤالا هاما ( هل من يتجاهل اقوال تل ابيب اليوم ، ربما سيؤيد افعالها غدا )؟ ام ان ما هو ( جديد ) بالنسبة لنا ، هو أمر ( قديم ) ومعروف عند الآخر ؟ وهل سطوة اسرائيل ( ومن خلفها واشنطن ) تدفع هذه الدول الى ان ( تبتلع السنتها ) وتخرسها عن ان تنطق بكلمة ( ادانة او استنكار او حتى أسف )؟.
في الحقيقة لا ادري ان كانت وزارات الخارجية العربية في الدول المعنية بتصريحات نتنياهو ، قد رصدت ردود فعل دول العالم وحللتها ، وما هي الاستخلاصات التي توصلت اليها ، وما هي الخطوات التي تنوي اتخاذها في مُقبل الايام، وهنا نسأل هل تواصلت هذه الوزارات - على الاقل - مع سفراء هذه الدول لديها ، وخاصة ( الفاعلة ) منها لوضعها في صورة خطورة هذه التصريحات ، والطلب منها التعبير عن موقف ما حيالها، خاصة واننا نُعرب عن تعاطفنا وتأييدنا وشجبنا واستنكارنا ، لما يجري مع هذه الدول ، حتى ولو كان تهديدا صادرا عن ( خلية ارهابية وليس تنظيما ) فما هي اسباب ( هذا الصمت المريب ) عند هذه الدول، والامر - فيما يخص اسرائيل الكبرى - صادر عن رئيس وزراء دولة، تحظى برعاية ودعم وتأييد غالبيتها ، منذ ٧٠ عاما.
ومن باب العلم والتوثيق فقط ، فان عدد الدول العربية والاسلامية، التي أصدر وزراء خارجيتها بيانًا مشتركًا ادان تصريحات نتنياهو باعتبارها "انتهاكًا صارخًا وخطيرًا للقانون الدولي" بلغ ٣١ دولة ، والسؤال اين هي مواقف باقي الدول الاسلامية البالغ عددها ( ٥٧ ) دولة .
البيان المشترك ، عُزز بدعم من أمين عام جامعة الدول العربية، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي ، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، فيما بلغ عدد الدول التي اصدرت بيانات منفردة ٦ دول هي الاردن ومصر والسعودية وقطر والعراق ولبنان .
والسؤال الذي يخطر على البال، هل كان ضعف ردًنا ، وتجاهل العالم لتصريحات نتنياهو ، هو الامر الذي ( أنجب ) تصريحات وزير الاتصالات الاسرائيلي، وهل عدم اجتراح افكار جديدة لخطواتنا المستقبلية ( سيولّد ) سلوكيات واجراءات اسرائيلية جديدة ، وهل يجب علينا منذ الان، رفع مستوى رد الفعل، ليبدأ داخليا بخلق حالة ( تعبئة ) مدروسة ، شعبية - نخبوية ( غير فزعوية ).
وخارجيا ، فان علينا استثمار إجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل، وتنفيذ حملة اعلامية - دبلوماسية عربية ، تطال الفضاء العالمي، بكل دوله وهيئاته ولغاته ، لكي نوصل رسالتنا لاسرائيل والعالم بكل قوة ووضوح ، ولكي تكون هذه المواجهة ( بروفة ) حية لما سيأتي، قبل ان تفاجئنا اسرائيل ، بعد انتهاء ملف غزة ، بأمر غير متوقع على جبهة الضفة الغربية ، وحتى نؤكد لشعوبنا واصدقائنا ، اننا بذلنا كل ما في وسعنا، قبل ان نصل الى نتيجة مفادها ( ان النفخ في قِربة المجتمع الدولي المخرومة، هو امر لا فائدة منه).
theeb100@yahoo.com