تُداول مؤخرًا عدد من الصور لرجال الأمن العام في زيهم الرسمي، تعلو هاماتهم شعار عزيز – السيفان والتاج وسبلتان – وهم يقومون بأعمال نظافة في أماكن عامة،
في مشهد تمنّينا ألّا نراه يومًا، مهما كانت الحجج أو الذرائع أو حتى الأوهام المرافقة له.

لقد أثار هذا المشهد الاستغراب والتساؤل العميق، وأراه شخصيًا سقطة لا تُغتفر لمن جاء بفكرته، أو أمر به، أو وافق عليه، أو نفّذه، كائنًا من كان، كبيرًا في الرتبة أو صغيرًا.

ومواطن الاستهجان عديدة؛ فلا أحد يُنكر أهمية الحفاظ على البيئة، ولا يُجادل في القيمة السامية للعمل البيئي، وما يتطلبه من وعي ومسؤولية وتكامل في الأدوار.
وعمال الوطن – أولئك الرجال الذين يعملون بصمت وتفانٍ – لهم منا كل الاحترام والتقدير، فهم أهل الاختصاص في هذا المجال، ومهنتهم ركن أصيل من النسيج المجتمعي والإنساني.

لكن أن يُكلَّف رجال الأمن العام – ممن أُعدوا وسُلّحوا لحماية الوطن والمواطن – بمهام لا تمت بصلة إلى واجبهم الأساسي، فهنا يجب أن نقف وقفة صدق ونقول:
ما هكذا تُورد الإبل

إن صورة رجل الأمن، وهيبته، ورسالته، ليست مجالًا للتجريب أو الاجتهاد غير المدروس. ولا يجوز العبث بها أو توظيفها في استعراضات شعبوية؛ فسمعته ليست ملكًا لأحد، ولا لمن يدير المؤسسة ممن سيرحلون يومًا ما كما رحل غيرهم، بل هي جزء من صورة الدولة وعمقها السيادي.

هذه الصورة يجب أن تظل محميةً بدقة، ضمن إطارها الوظيفي والأخلاقي والمجتمعي، بما يُعزز الثقة ويُكرّس الانضباط، لا أن تُشوَّه بخلط المهام وتشويش الأدوار.

نعم، نُريد لرجل الأمن أن يكون قريبًا من الناس، شريكًا في تطلعاتهم، حريصًا على قضاياهم، لكن دون أن نفقده هويته، أو نزاحمه بأدوار ليست له، فيما هو يواجه تحديات جسامًا، ويحمل مهامًا أثقل من أن تُضاف إليها أعباء لا تخصه.

أكتب هذه الكلمات من باب المحبة، والغيرة، والوفاء للمؤسسة الأمنية التي كانت – وستبقى – عنوانًا للهيبة والانضباط.

ومن هذا المنطلق، أُطالب بمراجعة هذه الخطوة، والتراجع عن مثل هذه المبادرات الارتجالية غير المدروسة، حفاظًا على خصوصية كل مهنة، وكرامة كل منتسب.

نعم، لقد آلمني وأزعجني أن أرى الهامات التي تحمل التاج تنحني لرفع كيس قمامة.

فأي درب هذا الذي تريدون أن تسلكوه؟! وأي مقام تطمحون للوصول إليه؟!