facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مديونية الجامعات الأردنية: أزمة سياسات لا تُحل برفع الرسوم


أ. د. هاني الضمور
01-09-2025 11:16 AM

تشير المؤشرات المالية الرسمية إلى أن الجامعات الحكومية الأردنية باتت تعيش أزمة مالية خانقة لم يعد من الممكن تجاوزها بمعالجات جزئية. فقد بلغت مديونيتها في نهاية عام 2023 ما يقارب مئة وثلاثة وتسعين مليون دينار، فيما تراجع الدعم الحكومي إلى نحو سبعين مليوناً فقط، وهو رقم لا يكفي لتغطية حتى النفقات التشغيلية الأساسية. ومع تضخم بند الرواتب والتعويضات الذي يستهلك أكثر من نصف الموازنات، فقدت الجامعات القدرة على توجيه موارد كافية للبحث العلمي أو تحديث البنية التحتية، واضطرت إلى اللجوء إلى البنوك التجارية للاقتراض. وفي بعض الحالات، كما في جامعة اليرموك، تجاوزت كلفة الفوائد السنوية خمسة ملايين دينار، وهو مبلغ يستنزف الميزانية من دون أن يخفض أصل الدين.

غير أن جوهر الأزمة لا يقتصر على ضعف الدعم، بل يمتد إلى الطريقة التي يُدار بها هذا الملف. فالقرارات المتعلقة بتخصيص الدعم الحكومي وتوصيله لا تُبنى دائماً على أسس موضوعية، وإنما قد تتأثر بعلاقات شخصية أو اعتبارات غير مؤسسية. النتيجة أن بعض الجامعات تتلقى تحويلاتها المالية بانتظام، فيما تُترك جامعات أخرى لمراكمة العجز. وهنا يتكشف خلل في العدالة المالية بين مؤسسات الدولة نفسها. فبينما تفرض دوائر مثل ضريبة الدخل أو الضمان الاجتماعي غرامات فورية على أي تأخير في الدفع، لا تمتلك الجامعات أي آلية قانونية تضمن استلام مستحقاتها في وقتها، لتتحمل وحدها كلفة التأخير عبر الاقتراض من البنوك ودفع الفوائد.

ويزداد الوضع تعقيداً عندما تتحمل الجامعات تبعات قرارات إعفاء بعض الطلبة من الرسوم الجامعية، ولا سيما في البرنامج الموازي الذي يُفترض أن يشكّل مصدراً مهماً من مصادر دخلها. هذه الإعفاءات قد تكون مبررة اجتماعياً، لكنها تتحول عملياً إلى عبء إضافي لأن الحكومة لا تعوض الجامعات عن كلفتها، ولا توفر مصادر تمويل بديلة. وهكذا تصبح القرارات ذات البعد الاجتماعي على المستوى الوطني سببا مباشراً في زيادة عجز الجامعات وإضعاف قدرتها على الاستمرار.

في ظل هذه الظروف، تلجأ إدارات الجامعات أحياناً إلى رفع الرسوم باعتباره الخيار الأسرع لتقليص الفجوة المالية. لكن هذا التوجه قصير النظر ويطرح آثاراً استراتيجية سلبية. فرفع الرسوم لا يضمن استدامة التمويل، بل يعمّق الفجوة بين الجامعات والمجتمع، ويضع عبئاً إضافياً على الطلبة وأسرهم، ويزيد من التوترات الاجتماعية. والأسوأ من ذلك أنه لا يعالج جذور الأزمة، بل يضاعف هشاشة المؤسسة الأكاديمية، ويقيد فرص الوصول إلى التعليم العالي لشرائح واسعة. إنه خيار يفاقم الأعراض بدلاً من معالجة المرض.

البديل الحقيقي لا بد أن يقوم على إعادة صياغة منظومة التمويل. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إنشاء صندوق وطني مالي لدعم الطلبة، يوفر تمويلاً مباشراً لغير القادرين على دفع الرسوم، على أن يعمل بنظام القروض التعليمية طويلة الأجل، من دون فوائد، مع تحصيل المبالغ لاحقاً بعد تخرج الطلبة والتحاقهم بسوق العمل، وبفترة سداد لا تقل عن عشر سنوات. هذا النموذج يضمن للطلبة حقهم في متابعة التعليم من دون انقطاع، ويعفي الجامعات من الضغوط الاجتماعية والمالية الناتجة عن رفع الرسوم أو منح الإعفاءات من دون تعويض.

لكن تأسيس الصندوق وحده لن يكفي ما لم يُقترن بإصلاح هيكلي أعمق. الجامعات بحاجة إلى استقلالية حقيقية في إدارة مواردها ورسم سياساتها المالية، غير أن هذه الاستقلالية تبقى منقوصة بفعل اعتمادها شبه الكامل على التمويل الحكومي الذي لا يأتي دائماً بآليات عادلة وشفافة. أي إصلاح جاد يجب أن يعيد التوازن بين استقلالية الجامعات والرقابة الحكومية، بحيث تُمنح المؤسسات الأكاديمية مساحة لتخطيط مواردها وتنفيذ مشاريعها الاستثمارية وتنويع مصادر دخلها، مع وجود نظام رقابي يضمن الكفاءة ويمنع الهدر.

إلى جانب ذلك، لا بد من إعادة النظر في هيكل الإنفاق الداخلي. استمرار تضخم بند الرواتب على حساب البحث والتطوير يعني أن الجامعات تستهلك مواردها من دون أن تخلق قيمة مضافة. أما إذا وُجّهت الموارد نحو البحث العلمي التطبيقي والابتكار، فستتمكن الجامعات من تسويق خبراتها واستشاراتها وربط مخرجاتها بسوق العمل الوطني. عندها تتحول من مؤسسات مثقلة بالديون إلى مراكز إنتاج معرفي واقتصادي.

الأزمة التي نعيشها اليوم إذن هي أزمة سياسات قبل أن تكون أزمة أموال. فإذا استمرت المعالجة على شكل إسعافات مالية، وتأجيل في الدعم، أو رفع للرسوم، أو اقتراض من البنوك، فإن النتيجة لن تكون سوى مزيد من المديونية والعجز. أما إذا اتُخذت الأزمة كفرصة لإصلاح منظومة التعليم العالي عبر استقلالية حقيقية للجامعات، وصندوق وطني لدعم الطلبة، وآليات شفافة لتوزيع الدعم الحكومي، فإن الجامعات الأردنية ستتمكن من استعادة دورها الطبيعي باعتبارها رافعة للتنمية الوطنية، وشريكاً في صياغة المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للدولة.

إن ترك الجامعات في دائرة العجز المالي يعني ببساطة التفريط برأسمال الأردن البشري. والسؤال المطروح اليوم هو ما إذا كانت الدولة ستتعامل مع الأزمة باعتبارها مجرد أزمة مالية عابرة، أم كفرصة تاريخية لإعادة بناء منظومة التعليم العالي على أسس الاستدامة والعدالة والابتكار. الجواب عن هذا السؤال لن يحدد فقط مستقبل الجامعات، بل سيحدد مستقبل المجتمع بأسره.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :