إن الكينونة الذاتية هي نقطة البدء ، ولا يملك أحد إلغاء الأنا ، فقد قررها القرآن الكريم في قوله تعالى" رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب " وقال " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي " وقال " اني لا أملك إلا نفسي وأخي " وغيرها من الآيات التي تقر نقطة البدء " أنا " وهي لا تعني الأنانية المقيتة التي تعلو على حساب الآخرين بل تعني التدرج في الاهتمام والاقدام والوصول والكسب الدنيوي و الأخروي . ولكن الأنا تعيش بين " الآخرين " فكيف تتعامل معهم ؟ لا بد من برمجة هؤلاء في دوائر متلاحقة أو مدارات ، فهناك الوالدان والأزواج والإخوة والأخوات فالأقارب فالعائلة فالعشيرة والقبيلة والبلد الواحد والاقليم والقارة والإنسانية .
والعلاقات تتشعب وتتنوع صفاتها فهناك العلاقة الحسنة والعلاقة السيئة ، وهناك العلاقة الطيبة وعلاقة العداوة ، وهناك العلاقة المتواصلة وهناك القطيعة ، وهناك العلاقة السلمية والعلاقة الحربية .
مطلوب من كل " أنا" أن يحدد طبيعة العلاقة التي يريد فيختار القطيعة أو الصلة ، ويختار المجاملة أو علاقة الصدق والصداقة ، وهناك علاقة الثقة وعلاقة الشك والظن .
إن الناظر في علاقات الأنا يجد فيها كل الصفات ، فما من أحد إلا وله أصدقاء وأحباب وأعداء ، وهناك علاقات متواصلة وعلاقات مقطوعة .
نحن مدعوون لمراجعة علاقاتنا وتعليل الصفة التي تتصف بها ، فإن كانت المحبة أو العداوة أو القطيعة أو الكيد أو الهجر أو .... فلا بد من تبرير ذلك من قبل الأنا وهنا سيجد كل واحد منا خللا" هنا وخللا" هناك . جاء في الحديث : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .
سبب طرحي لهذا الموضوع الحوادث التي نسمع عنها صباح مساء وكان آخرها جريمة قتل المرحوم الدكتور موسى أبو سويلم ونجله ، وما نسمعه من قتل أزواج لبعضهم البعض ، ومن قتل رجل لابنه ، وقتل أم لأولادها، وقتل ولد لوالديه ، ولا زلنا نسمع كل يوم عما يسمى جرائم الشرف .
نعم جاءت القوانين لرسم الحدود في العلاقات البشرية لكن هناك شيء أهم من القانون وهو مخافة الله التي هي رأس الحكمة وهي الضمانة الحقيقية في ضبط العلاقات ومن هنا كان لا بد من العناية بالتربية والأخلاق والتي نراها تتراجع في مجتمعات اليوم فلنقرع الجرس ولتتحرك مؤسسات التوجيه لعلاج الواقع المرير .