قراءة في كتاب "المحاماة عبر العصور"
04-09-2025 02:49 AM
عمون - قراءة: يوسف عبد الله محمود
"بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العُلى سهر الليالي"..
تغريد حكمت –مع حفظ الألقاب- تبوأت اعلى المناصب في القضاء. حظيت بأن تكون أول امرأة تتولى القضاء في وطنها الأردن. وهي من اسرة عُمُدها قانونيون كبار، ولعلمها الغزير اعتلت اعلى المناصب الدولية، فوقع الاختيار عليها لتكون اول عربية ترأس القضاء الجنائي الدولي بكفاءة واقتدار. في رواندا ترأست هيئة المحكمة الجنائية الدولية لقضايا جرائم الحرب (2009–2010). وفي المحافل الدولية مُحاضر في اللقاء السنوي بجامعة هارفرد. عضو مجلس الأمناء للمركز الوطني لحقوق الانسان (2015-2019). وحالياً عضو في المحكمة الدستورية. عضو شرف في مجمع اللغة العربية. مناصب رفيعة أخرى شغلتها بكفاءة يشاد بها.
في كتابها "المحاماة عبر العصور" الصادر حديثًا تتحدث تغريد حكمت عن منجزات الحضارة الإنسانية.
وهنا تلقانا مهنة "المحاماة" كواحدة من ابرز منجزات هذه الحضارة.
وفي تقصيها لبدايات هذه المهنة الشريفة تشير الى المهنة الحمورابية فهي من اقدم المهن في التاريخ.
وفي اشادتها برسالة المحامين تقول: "المحامون نخبة رسل العدالة وحماة الحقوق والمحافظون على الحريات العامة وسيادة القانون وسمو الدستور ومنعة القضاء واستقلال السلطة القضائية". (المرجع السابق ص 6)
وعن نشوء فكرة المحاماة تشير الى ان ظهور تمثيل الآخرين بدأت في المجتمعات البدائية الموغلة في القدم مقترنة بالطقوس السحرية.
الحياة الإنسانية في المجتمعات البدائية تطلبت وجود جهة لحسم الخلافات بين البشر "هذه الجهة كان يمثلها "نفر من الحكماء والقضاة الذين كان دورهم "حل الخلافات بين المتنازعين، كما كان الحال عند اقوام الكلدانيين والبابليين والفرس في العصور القديمة"".
في تناولها للمحاماة عبر العصور تحدثنا المؤلفة عن أوضاعها في شتى البلدان، في مصر ظهرت المحاماة سنة 1884 تحت اسم مهنة الوكلاء. اما في وادي الرافدين، فتعد الحضارة السومرية من أعرق حضارات العالم. وهناك ايضًا شريعة حمورابي، وهي تعد اقدم شريعة تم العثور عليها عام 1947. (المرجع السابق ص 16)
والغاية من كل هذه الشرائع هي تحقيق العدالة.
وفي الهند القديمة نصت الشريعة على دور المحامين في الجزاءات. وفي الصين القديمة اقتصرت مهنة المحاماة على ارشاد المتخاصمين سِرًا في دور القضاء". (المرجع السابق ص 16)
وفي اليونان القديمة اختار المتخاصمون مرافعة أصدقاء لهم من الخطباء المشهورين، يستثنى من ممارستها العبيد غير الاحرار.
وفي روما القديمة جرى تحول من الرجل الخطيب الى المحامي. وهذا الإرث القانوني الروماني انتقل الى المحامين في اكثر بلدان العالم.
في كتابها تحدثت المؤلفة عن المحاماة في القرون الوسطى في أوروبا. ففي فرنسا تم اهم تعظيم لمهنة المحاماة في زمن نابليون رغم كراهيته للمحامين. (المرجع السابق ص 21)
في تطرق هذا القاضي الدولي الى فكرة تمثيل الخصوم في التاريخ العربي الإسلامي تشير الى آيات قرآنية توحي بوجود فكرة المحاماة مستشهدة بما ورد على لسان موسى عليه السلام في قوله تعالى: "قال رب اني قتلت منهم نفسًا فأخاف ان يقتلون، واخي هارون هو افصح مني لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدقني اني أخاف ان يُكذبون". (سورة القصص).
وهنا تورد المؤلفة ملاحظة ذكية وهي ان كلمة محام لم تكن تستعمل للدالة على احتراف الدفاع عن الآخرين، بل تعني "الدفاع عن الحياض وعن القوم". (المرجع السابق ص 23)
وببزوغ شمس الإسلام نبغ قضاة مسلمون افذاذ توخوا تحقيق مبادئ العدل والحياد والنزاهة.
ومع ذلك -وكما تقول مؤلفة الكتاب- "إن المحاماة كحرفة ليس لها أصول في القضاء الإسلامي".
تلقانا بعد ذلك المحاماة في العهد العثماني -وكما يشير هذا القاضي الدولي- فالأتراك العثمانيون ادركوا قيمة هذه المهنة النبيلة فأحدثوا (مكتب الحقوق) في العاصمة.
ومن الأسس الدستورية للقضاء في الاتحاد السوفييتي يشير هذا القاضي الدولي "ان المحاماة تزدهر وتتفتح وتتطور في النظام الحر والليبرالي الذي يقدس الملكية الخاصة ويقدس حرية الافراد". (المرجع السابق ص 29).
وفيما يخص لباس المحامي فهو اللباس الأسود المتميز بالأناقة. وفي استعراض لافضل المحامين الذين عرفهم التاريخ يشير هذا القاضي الدولي الى بعض الأسماء ومنهم "دان ويب" وتيدويلر" وماري جو وايت" وآخرون.
وتتناول المؤلفة بعد ذلك التشريعات التي تنظم المحاماة في الأردن" وهي تشير الى قانون واحد ينظمها وهو قانون نقابة المحامين.
تؤكد الأستاذة تغريد حكمت على ضرورة التزام المحامي بمراعاة الواجبات التي تفرضها عليه القوانين. وتسهب في الحديث عن واجبات المحامي وفي مقدمتها "احترام القضاة عندما يتقدم اليهم او يخاطبهم".
وبصفتها قاضي وطني ودولي فهي ترى "ان القاضي يجب ان يمتلك حس العدالة. وفي إشارة ذكية منها الى المخاوف من تأثير التكنولوجيا فإنها ترى ان هذا التأثير قد يكون ايجابيًا يوفر للمحامين والقضاة المعلومات بشكل سريع وفعال.
وحول المخاوف من الذكاء الاصطناعي فيجب معالجة القضية المطروحة من خلال الذكاء البشري.
وبعد، ان ما ورد في هذا الكتاب القيّم من مفردات ممتلئة تخدم العدالة القانونية. يؤكد تمرس هذه القاضية التي القت الضوء على مهنة المحاماة وتطورها عبر مختلف العصور.
كتاب فريد حقًا بمضامينه التي دأبت الأستاذة تغريد حكمت على اتحافنا بمؤلفات أخرى سابقة يُشاد بها.
تحية اكبار وتقدير لسعادة القاضي الدولي تغريد حكمت.