البناء التربوي .. واستعادة الذات الوطنية
يوسف عبدالله محمود
05-09-2025 09:20 AM
في كتابه هذا يتحدث الخبير التربوي الراحل الدكتور محمد جواد رضا عن خطورة اعتماد "البعد الواحد" في معالجة الهموم التربوية في وطنه العراق.
ان اعتماد سياسة "البعد الواحد" –كما يرى- "لا تقرأ الأشياء على حقيقتها" مما يؤدي الى اختلال الرؤية والعجز عن وضع الحلول المناسبة للمشاكل التي تواجهنا. سياسة "البعد الواحد" دون اتاحة جانب للحوار والتفاهم.
مثل هذه السياسة الحدّية -اذا جاز التعبير- تؤدي الى السلبية والخصومات بين مختلف الأطراف.
هذا الباحث الكبير يطالب باتباع عملية إعادة البناء التربوي في العراق. يطالب الجهات الرسمية المختصة في بلاده بنقض ما غذت به عقول العراقيين من تلقين فاسد طوال عقود طويلة توخيًا منها لأهداف سياسية لا تعين على بناء عراق جديد. ما قاله ينطبق على سائر البلدان العربية.
هذا الخبير التربوي، يطالب سلطات بلاده اتباع نهج تربوي جديد منتج على الثقافة الإنسانية العالمية. وهذا من شأنه "ان يعالج الكيفية التي توظف بها هذه التربية لاستعادة الذات الوطنية". (الكتاب ص 7)
ان هذه الرؤية التقدمية التي يطرحها من شأنها ان تجعل نهج التعليم ديمقراطيًا وذا نزعة اجتماعية نفعة بعيدًا عن التلاعب السياسي الذي يحول دون الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
اما الوصول الى ذلك فيتطلب "تطوير كافة المناهج والكتب الدراسية والارتقاء بها طبقًا لاحتياجات الحاضر والمستقبل".
وهنا نراه يؤكد على "التربية الأخلاقية التي أساسها إشاعة "العدل" وتحقيق المساواة بين الافراد ذكورًا وإناثًا، مع اعتماد قيم التسامح والمساواة والعقلانية في مواجهة المشاكل الاجتماعية وصولاً الى ترسيخ قيم المجتمع المدني".
الدكتور محمد جواد رضا يدعو الى تأكيد القيم الإنسانية بين البشر. تأكيدها يرسخ العدالة الإنسانية.
وتلك كما أرى دعوة الى جعل قيمة الانسان في عطائه وليس في نسبه او مكانته الاجتماعية.
وهنا نراه يستشهد بقول هنري ثورو الشاعر الأمريكي المعروف حين قال "إننا لا نزال نولد ونحن لا نملك الا رؤية ناقصة عن الأشياء". وتحقيق هذه الرؤية التقدمية لن يتم "الا بالخروج من مسكونية التاريخ". وهذا يتم احداثه – كما يرى- بأيدي أناس يملكون احساسًا جادًا بالجهة التي يريدون التوجه اليها". (المرجع السابق ص 15)
المؤلف يدعو الى انقاذ الذات الوطنية العراقية من الضياع والتيه.
وفي رأيه ان احداث هذه الثورة المعرفية لن يتم الا باحداث تغيرات جذرية في البنية الاجتماعية.
وثمة ملاحظة هامة يركز عليها المؤلف "وهي ضرورة التمييز بين ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي في فهم الوظيفة الإنسانية للتربية". (المرجع السابق ص 17)
ان اعتماد هذه الرؤية التي يؤكد عليها هذا الخبير التربوي البارز "تعصم العراق من السقوط في الاستبداد".
وهنا يشير الى أربعة تحولات كبرى في العالم ينبغي فهمها واتباعها وهي:
1. متابعة التقنيات المتنوعة والصناعات القائمة عليها خصوصًا في مجال المعلومات.
2. ظهور اقتصاد عالمي جديد حلت فيه العلاقات بين الدول النامية والدول المتقدمة محل صراع الطبقات داخل الاقتصاد القومي.
3. ظهور نزعة اجتماعية تدعو الى مزيد من الديمقراطية السياسة.
4. ظهور "المعرفة Knowledge" كرأس مال جديد وكمصدر لقوة نظام اقتصادي.
الخلاصة ان هذا المؤلف يدعو الى اعتماد ضوابط إيقاع التاريخ الجديد للعراق وتلك مهمة المؤرخين ورجالات التربية الذين عليهم الخروج من عنق الزجاجة التي تكبلهم واعتماد رؤية انسانية تقدمية في معالجة الخلل التربوي الذي يعاني منه العراق نتيجة لما اسماه الباحث ب "البعد الواحد".
ما ينسحب على العراق ينسحب على سائر البلدان العربية والإسلامية.
الغد