facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدول بين الدينية والمدنية


فيصل سلايطة
08-09-2025 11:07 AM

تقوم الدولة الدينية على فكرة أن السلطة السياسية تستمد شرعيتها مباشرة من الدين، حيث تُدار شؤون الحكم والقوانين وفق التفسير الرسمي للمعتقد الديني، ويكون رجال الدين أو المؤسسات الدينية في موقع القيادة والتشريع. هذا النموذج قد يمنح شعوراً بالتماسك في المجتمعات التي تشترك بعقيدة واحدة، لكنه في المقابل يحمل خطراً كبيراً يتمثل في إقصاء من يختلفون في الدين أو المذهب، وفرض رؤية واحدة على الجميع دون اعتبار للتنوع الطبيعي داخل المجتمع.

تاريخياً شهدت دول كثيرة انهيار هذا النموذج أو تحوله إلى صراعات داخلية طويلة بسبب استغلال الدين في السياسة، مثل محاكم التفتيش في أوروبا أو الانقسامات الطائفية التي مزّقت مجتمعات في الشرق الأوسط.

أما الدولة المدنية، فهي ليست ضد الدين، بل تقوم على مبدأ أن الدولة كيان محايد تجاه معتقدات الناس، مهمتها إدارة شؤون المواطنين على أساس المواطنة والقانون لا على أساس الانتماء الديني أو المذهبي. في الدولة المدنية، تكون المرجعية الأولى هي الدستور المتفق عليه، والذي يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم بعيداً عن أي تمييز. هذا النموذج يسمح بتعايش مختلف الديانات والمذاهب والأفكار، ويحافظ على التنوع الثقافي والاجتماعي باعتباره ثروة لا تهديداً.

وتتميز الدولة المدنية بقدرتها على تحقيق الاستقرار السياسي لأنها تبني شرعية الحكم على الإرادة الشعبية والقانون، لا على التفسير الديني الذي قد يختلف من جماعة إلى أخرى.

من أبرز إيجابيات الدولة المدنية أنها تفتح المجال أمام تداول السلطة بشكل سلمي عبر الانتخابات، وتحمي الحريات الفردية وحرية الاعتقاد، وتضع الدين في مكانته الروحية والأخلاقية بعيداً عن الاستغلال السياسي. كما أنها تعزز الابتكار والبحث العلمي لأنها لا تقيد العقول بمنظومة فكرية واحدة، بل تسمح بتعدد الآراء وحرية النقد. دول مثل فرنسا وألمانيا وكندا واليابان، رغم اختلاف ثقافاتها، تبنت نموذج الدولة المدنية الحديثة، واستطاعت أن تحقق مستويات عالية من التنمية والاستقرار وحقوق الإنسان. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن دولاً قامت على النموذج الديني الصارم مثل إيران أو أفغانستان عانت من عزلة دولية، وتوترات داخلية، وانتهاكات لحقوق الأقليات، ما جعلها عرضة للانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

الدولة المدنية ليست عدواً للدين كما يُشاع أحياناً، بل هي الحاضن الآمن الذي يتيح لكل الأديان أن تعيش وتزدهر دون خوف من التمييز أو الإقصاء. بينما يثبت التاريخ أن الدولة الدينية، مهما بدت مثالية في البداية، سرعان ما تصطدم بالتنوع البشري وباختلاف التفسيرات، مما يؤدي إلى الانقسام أو القمع. لذلك فإن الخيار الأكثر عقلانية للشعوب التي تسعى للتقدم هو بناء دولة مدنية حديثة، تستلهم قيمها الأخلاقية من تراثها الديني والثقافي، لكنها تضع أسس الحكم على قواعد المواطنة، القانون، وحقوق الإنسان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :