facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رَفعُ العَلَم أَم تَرسِيخُ القِيَمِ؟


معتز عبدالقادر عساف
08-09-2025 03:09 PM

تعليمات أمانة عمّان الجديدة بالزام أصحاب المباني بتركيب سارية لرفع العلم الأردني كشرط أساسي للحصول على "إذن الأشغال"، ورغم رمزيتها الوطنية، فتحت الباب أمام نقاش أوسع:

هل يكفي أن يرفرف العلم فوق المباني، أم أن الأهم هو أن تتجذر قيمه ومعانيه في نفوس المواطنين؟

العلم ليس مجرد رمز بصري، بل هو اختزال لتاريخ الدولة وتضحيات شعبها.

رؤيته ترفرف عالياً تغرس في القلب مشاعر الفخر والانتماء. لكن هذه المشاعر لن تبلغ غايتها إن ظلت محصورة في المظهر الخارجي دون أن تمتد إلى العمق.

فما جدوى أن يرفرف العلم فوق كل مبنى، بينما تُمارَس في داخله ممارسات تناقض العدالة أو تنتهك قيم النزاهة والمواطنة الصالحة؟ هذا في المستوى العمومي. وعلى المستوى الشخصي ايضاً ما جدواه ان لم يظهر المواطن التزاماً سلوكياً وأخلاقياً في المبادئ والقيم الوطنية الاصيلة التي تعبر عن انتماءه وحبه واخلاصه لوطنه وقيادته.

علم الاردن في قلوب ووجدان المواطنين جميعاً. قد تختلف درجات الحب والانتماء، الا انه في الاغلب يجتمع الجميع تحت هذا العلم وحبه وانتماءه. حتى أولائك الذين تنخفض درجات ولاءهم وانتماءهم له، لا بد ان نبحث في أسباب هذا الانخفاض فقد يرتبط بمنظورهم للعدالة والنزاهة والمساواة كما يتضح في وسائل التواصل الاجتماعي عندما يصرح مسؤول سابق او حالي "غير مرغوب او موثوق" عن الانتماء والوطنية. الا ان اهم هذه الأسباب قد يتمثل في ضعف اليات ترسيخ الانتماء والولاء في نفوس ووجدان وقلوب المواطنين.

إن القيمة الحقيقية للعلم تكمن في المعاني التي يرمز إليها. هذه القيمة لن يكون لها معنى فقط في مشاهدة العلم يرفرف في الهواء. وبالتالي فان رمزية رفع العلم لن تتحقق برفعه بل عليننا ان نجد ما هو اهم من رفعه لتحقيق معانيه الوطنية من خلال ترسيخ منظومة القيم الوطنية.

من هنا، فإنّ رفع العلم على السارية يجب أن يتوازى مع رفع القيم في النفوس. وهذا يتطلب استراتيجية وطنية واضحة، تتبناها الدولة وتنبثق من رؤية القيادة، لترسيخ قيم المواطنة الأردنية على نحو عملي وملموس.

هذه القيم لا بد أن يتم التوافق عليها من مختلف مكوّنات المجتمع، وأن تُترجم إلى برامج عمل متدرّجة تبدأ من الطفولة المبكرة:

• من الحضانة حيث يُغرس حب الوطن بالقصص والممارسات اليومية.

• إلى المدرسة بمراحلها المختلفة، حيث يتعلم الطلبة أن المواطنة ليست شعارات بل سلوكيات يومية في الصدق والانضباط والاحترام.

• إلى الجامعة التي يجب أن تكون حاضنة للفكر النقدي والبحث عن الصالح العام.

• وصولاً إلى سوق العمل، العام والخاص، حيث تُقاس المواطنة بمدى الالتزام بالقانون، والشفافية، وخدمة المجتمع.

إن ترسيخ هذه القيم، ومتابعة الالتزام بها وتقييم أثرها على المجتمع، سيجعل من رفع العلم على أي سارية فعلاً نابضاً بالحياة، لا مجرد إجراء شكلي. فالوطن في جوهره ليس حجراً ولا إسمنتاً ولا قماشاً يلوّح في الهواء، بل هو منظومة قيم يعيشها الناس في سلوكهم اليومي ويحاسبون أنفسهم عليها قبل أن يحاسبهم الآخرون.

فالخيار الحقيقي الذي يجب أن نطرحه اليوم ليس: هل نرفع العلم أم لا؟ بل: هل نرفع معه قيّمه ونعيشها؟ عندها فقط يصبح العلم علَماً بحق، لا لافتة معلّقة.

ولعل ما يختصر كل هذا النقاش أننا لو سألنا أي مواطن أردني، عن ألوان العلم لأجاب فوراً ودون تردد، بينما لو سألناه عن القيم الوطنية الأردنية التي يجسدها هذا العلم، لاختلفت الإجابات أو غابت تماماً. وهنا يكمن التحدي الأكبر: أن ننتقل من الاكتفاء بالرمز إلى بناء مضمون واضح ومتفق عليه، منغرس في النفوس مثلما يرفرف العلم في السماء.

فالوطن لا يقوم على سارية تُعلّق علماً فحسب، بل على منظومة قيم مجتمعية. وإذا نجحنا في غرس هذه القيم، فإن كل علم يُرفع سيصبح عندها شاهداً على انتماء حيّ، لا مجرد إجراء إداري أو مظهر شكلي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :