اخفقتم في إبادة شعبي عام 1948... ولم ينقرض شعبنا. ومنذ ذلك الحين، انتشر الناجون من الإبادة في القارات الخمس، ومنهم سيشارك قريبًا في بعثة إلى كوكب المريخ.
أغفلتُم أن الناجين من الإبادة يمتلكون إثنية وقومية صلبة، تاريخهم واحد ومصيرهم مشترك. حبلهم السري مع بلاد أجدادهم المُبادين هو بحثهم الدؤوب عن فردوسهم المسلوب، في قصص ما قبل النوم التي لقنتها لهم الجدات في ليالي الشتات البائس.
قصص وحكايا تدور تفاصيلها حول مدنهم وقُراهم التي هُجّروا منها بالإبادة الجماعية، يحتفظون بمفاتيح بيوتهم قلائد على صدورهم، وسندات الطابو المجلدة مطوية في خزائنهم المحصنة. وأطلقوا على بناتهن أسماء المدن والقرى المسلوبة.
فلا تستغربوا القول أن مكانة القدس لديهم لا تزيد قيمة عن أصغر قرية أو خربة في فردوسهم المسلوب. فكل شبرٍ منها قدس.
الفردوس المسلوب في حكايا ما قبل النوم أشعل توق الانتقام على إبادتهم عام 1948 شرارة ثورة 1965. ثورة أنقذتهم من الانقراض، وعملياتها الفدائية عبدت الاعتراف بحقوقهم في الهيئات الأممية. وعندما رُفع غصن الزيتون بيدٍ والبندقية باليد الأخرى أمام ذلك المحفل الدولي، كان خوفكم على وجودكم أشد وطأة حينما خُطفت طائراتكم، وحُجزتم رهائن في الباصات والفنادق والأولمبياد.
ألا يُفترض أن هؤلاء هم أبناء المُبادين الذين سينسون كما توهمت جولدا؟
هؤلاء شحنوا بطاريات انتقامهم فقط من قصص ما قبل النوم، خلدتها لهم أمهاتهم لتروي كل ليلة من ليالي الشتات البائس حكاية الإبادة والفردوس المسلوب.
من الجدات إلى بناتهن، انتقلت عمليات شحن بطاريات الانتقام بحكايا ما قبل النوم من جيل الأجداد إلى جيل أحفاد الناجين من الإبادة. الأحفاد الذين أذاقوكم الويلات في بيروت والنبطية وقلعة الشقيف عام 1982. ألم تسألوا حينها كيف لصبي في مخيم الرشيدية لم يكمل السابعة عشرة من عمره أن يسحق الميركافاه، فخر صناعاتكم الإنسانية، بقاذف آر بي جي محلي الصنع من مسافة صفر؟ سأجيبكم... إنه الغضب الحانق الذي شحنته بطاريات الانتقام من قصص ما قبل النوم عن الإبادات والفردوس المسلوب.
وحينما خفتت شعلة العودة للفردوس المسلوب، أطلقت بطاريات الانتقام لأحفاد أحفاد الناجين من الإبادة: انتفاضة الحجارة 1987. وتلاها انتفاضة الأقصى عام 2000 كتغريغ خفيف للفولتيات الانتقامية الفائضة في بطارياتهم.
ولما توحشتم بجبروتكم على الحواجز، وصادرتم الأراضي وزرعتم غابات المستوطنات، فأمست سرطاناتٍ يحميها جدار الفصل العنصري من الاستئصال. إعداماتكم الميدانية على الطرقات، واعتقالكم النساء والأطفال، وانتهاكاتكم المتكررة لمقدساتنا في الأقصى والقيامة، كان لا بد لطوفانٍ يُفرغ فولتية الانتقام في أكتوبر 2023، فهدم جدار جابوتنسكي بمعاول الغضب المضغوط.
فهل ما زلتم تعتقدون أن جيشكم المقهور الغارق في طوفان أكتوبر سيمنحكم الخلود الوجودي؟
لقد أخفقتم في إبادة شعبي، ولم ينقرض شعبنا، وكنتم أمام خمسة عشر مليون ناجٍ من الإبادة مشحونة بطاريات انتقامهم فقط بقصص ما قبل النوم، لقنتها لهم أمهاتهم قبل السابع من أكتوبر حتى تطورت بطارياتهم الانتقامية في زمن الإبادة الجديدة إلى بطاريات ليثيوم تُشحن بالواي فاي والسوشيال ميديا، وعلى أثير الفضائيات.
تفيض شحنات الفولتية الانتقامية من بطاريات ذوي شهداء الإبادة، والضحايا التي تمزقت أجساد ذويهم أمام مرآهم بالعرض البطيء. تُشحن كلما يُقصف مستشفى ويتحول إلى جبال من ركام. وتُشحن البطاريات الإضافية سريعًا لأبناء الناجين من الإبادة أمام الشاشات عند كل تحويل جسد إلى أشلاء تتناثر فوق الركام. تُشحن ملايين البطاريات الإضافية الانتقامية وهم يشاهدون أجساد الشهداء مهروسة من جنازير الميركافاه، أو عند رؤيتهم لهياكل عظمية تنفصل عنها جماجمها المحطمة من قنابل الكواد كابتر، التي تترامى بين الخيام المحترقة. بطاريات إضافية تُشحن مرارًا وتكرارًا بفولتيات انتقامية أمام جُثث تشبع من لحمها القطط والكلاب الجائعة على مرأى كاميرات الصحافة المستهدفة من مسيراتكم. أنين أطفال يصرخون من شدة التجويع، تنادي "أنا جوعان"، فتفارق الحياة من شدة الصمت الأممي لا أكثر. ورُضع خُدج يصارعون الحياة يُقصفون كأهداف استراتيجية بصاروخ زورقٍ حربي، تتصاعد معه الفولتيات الانتقامية من البطاريات الاحتياطية.
وعندما يسمع أبناء ناجي الإبادة استغاثات الأطفال وهم يُقنصون من جنود جيشكم السيكوباتيين الذين تعلو قهقهاتهم وهم يفجرون المدرسة والمسجد والكنيسة إهداءً لعشيقة إشكنازية هاجرت حديثًا من أوروبا إلى الفردوس المسلوب، تفور معها الفولتية الانتقامية من ملايين بطاريات الاحتياط للخمس عشرة مليون ناجٍ من الإبادة.
ولتعلموا أن صوت هند رجب، وهي تستغيث في حصارها بمركبة والدها المقتول على يد قناص سفاردي يعاني اضطهاد الإشكناز له، أراد أن يُثبت صهيونيته لهم، عله يصبح مواطنًا من الدرجة الأولى، فأكمل وحشيته بتفريغ ذخيرته على الملاك الصغير رغم صرخاتها. يكفي أن يشحن ملايين بطاريات الاحتياط الانتقامية مدة مائة قرنٍ من الزمن.
ففي كل يوم من أيام الإبادة، خُزّن في بطاريات انتقامنا فولتيات انتقامية تكفي لثوران بركان خامد منذ ملايين السنين.
تأملوا وتفكروا جيدًا...
إن أبناء ناجي الإبادة أشعلوا ثورة 1965، وخاض أبناء فدائيي ثورة 65 معارك الصمود في لبنان عام 1982، فأطلق أبناء الناجين من إبادة صبرا وشاتيلا ومجازركم في بيروت انتفاضة الحجارة 1987، والناجون من إبادة تكسير العظام في انتفاضة 1987 أطلقوا العنان لانتفاضة الأقصى عام 2000. فكل جيل يشحن بطاريات الانتقام للجيل اللاحق للصعود إلى الفردوس المسلوب.
طوفان شعبي سيعيدكم إلى البلاد التي هاجرتم منها. لقد استكملنا شحن بطاريات الانتقام للخمس عشرة مليون ناجٍ من إباداتكم حتى فاضت شحناتها، وفاض معها ملايين البطاريات الاحتياطية الانتقامية، حتى أصبحت بطارياتنا أجزاءً رئيسية من أجسامنا تُفرز شحناتها عصارة الغضب الذي سيعيدكم من حيث أتيتم, فاحزموا حقائب الرحيل ,فلا مستقبل لكم في فردوسنا المسلوب .
وكما قال محمود درويش:
آن أن تنصرفوا... ولتخرجوا من أرضنا... من بحرنا... من قمحنا... من ملحنا... من جرحنا... من كل شيء وأخرجوا من ذكريات الذاكرة...
وأضيف: وأسحبوا كل عظام موتاكم من أرضنا، ولتدفنوها أينما شئتم، ولكن لا تدفنوها بيننا.