المرونة والاستدامة بين إدارة المشاريع وإدارة الأزمات
لانا ارناؤوط
09-09-2025 06:25 PM
إدارة المشاريع وإدارة الأزمات مجالان يبدوان منفصلين في الظاهر لكن عند النظر بعمق نجد أن هناك خيطًا استراتيجيًا يربط بينهما، فكلاهما يقوم على التخطيط والتنظيم والتوجيه والتحكم في الموارد والعمليات للوصول إلى أهداف محددة في ظل قيود زمنية ومالية. غير أن الفارق الجوهري يكمن في طبيعة السياق؛ إذ تتحرك إدارة المشاريع في بيئة مخططة ومحددة المعالم نسبيًا، بينما تنشأ إدارة الأزمات غالبًا في بيئة مضطربة وغير متوقعة تتسم بالغموض وضيق الوقت.
هذا الترابط يظهر جليًا عندما ندرك أن المشروع في حد ذاته قد يكون وسيلة لمعالجة أزمة أو أداة للتكيف مع تداعياتها. فعلى سبيل المثال، عندما تواجه مؤسسة أزمة مالية أو سمعة متدهورة، فإن تصميم مشروع لإعادة الهيكلة أو تعزيز الهوية المؤسسية يعد استجابة استراتيجية للأزمة. في المقابل، يمكن أن تتحول الأزمات إلى مواقف تتطلب إدارة مشاريع عاجلة مثل إنشاء مراكز إيواء أثناء الكوارث الطبيعية أو تطوير أنظمة تقنية خلال انقطاع طويل للخدمات.
أوجه التشابه بين المجالين تتمثل في أهمية التخطيط المرن، وإدارة المخاطر، والتواصل الفعال. ففي إدارة المشاريع يعد تحديد المخاطر المحتملة وخطط التخفيف عنصرًا أساسيًا لضمان نجاح المشروع، وفي إدارة الأزمات يصبح هذا الأمر أكثر إلحاحًا لأن المخاطر واقعية وليست افتراضية والوقت لا يسمح بالتردد. كذلك فإن قيادة الفرق وإشراك أصحاب المصلحة في كلا السياقين يحددان مدى النجاح أو الفشل، فالقائد الذي يمتلك القدرة على تحفيز فريقه تحت الضغط ويضمن تدفق المعلومات بشكل منظم يحقق نتائج أفضل سواء كان يدير مشروعًا طويل الأمد أو أزمة مفاجئة.
أما الاختلاف فيكمن في الإطار الزمني وطبيعة القرارات، ففي إدارة الأزمات تكون القرارات سريعة وقائمة على المعلومات المتاحة حتى وإن كانت ناقصة، بينما في إدارة المشاريع هناك مساحة أكبر للتحليل والدراسة. ومع ذلك، بدأت الاتجاهات الحديثة في إدارة المشاريع تتبنى مبادئ المرونة والرشاقة التي تطورت أساسًا لمواجهة التغيرات المفاجئة، ما يجعل الفاصل بين إدارة المشاريع وإدارة الأزمات أقل وضوحًا مع مرور الوقت.
إن دمج مبادئ إدارة المشاريع في خطط إدارة الأزمات يخلق نهجًا أكثر فاعلية واستدامة، فبدلاً من التعامل مع الأزمة كرد فعل فقط يمكن تصميم مشروعات وقائية واستباقية تقلل من احتمالية حدوث الأزمات أو تخفف من حدتها إذا وقعت. وفي المقابل فإن الاستفادة من استراتيجيات إدارة الأزمات في المشاريع، مثل محاكاة السيناريوهات والاستعداد للطوارئ، يعزز من قدرة المشاريع على الصمود أمام التحديات. وفي النهاية يمكن القول إن إدارة المشاريع وإدارة الأزمات ليستا مجالين متوازيين بل متكاملين، يجتمعان عند نقطة التحدي ويختلفان في زاوية النظر إليه، ليشكلا معًا أداة حيوية لمواجهة عالم متغير لا يخلو من المفاجآت.