كلما مرّ الثاني من أيلول من كل عام كلما استذكر الأردنيون تاريخًا وطنيًا مجيدًا، صدر فيه مرسومَ الحسين بن طلال بإنشائها مؤسسة تعليمية أراد لها المغفور له أن تكونَ نتاج وطن أردني هامات أبنائه مرفوعة، وشعاره بناء الإنسان وعنوانه الأنفة والكبرياء وشغله الشاغل هو العطاء تلو العطاء، واليوم وعقب مرور ثلاثة وستين عامًا على تأسيسها، ما زالت الجامعه الأردنية شامخة في علياء الوطن وتمضي واثقة على دروب الأمل ولا تنفك تعدُّ أبنائها الإعداد الأمثل ليمارسوا دورهم في خدمة الأردن وبنائه بالعمل الجاد والفكر المتفتح، لأنها جامعة تؤمن بأن العمل هو الذي يبثّ الحياة فيهم، وكل ذلك تم للجامعة الأردنية بتناغم مستمر في مواصلة تحديثها لمكوناتها كي تعكس تماشيًا متكاملًا في عصر العلم والعولمة وفي زمن التسارع والتغيير الذي تطلب منها مواكبة روح العصر والإفادة من التقدم التكنولوجي والاستجابة لمعطيات الحداثة بكافة أبعادها الثقافية والفنية والتطبيقية.

نكتب عن الجامعة الأردنية التي كانت استثنائية في كل جوانب مسيرتها الفكرية والعلمية والوطنية، فكانت أحد روَّاد الإنجاز الوطني الخالد وعاملًا مهمًا من متطلبات إسناد وتعزيز هيبة الدولة وضرورات استقرارها، وكانت خير من استجاب لمنطلقات الرؤى الملكية الثَّاقبة ولم تبرح بوصلتها تراب الوطن وتوجيهات القيادة إلى أن أصبحت حالة بل ظاهرة وطنية عامرة بالإيمان و توسدت جدار الروح وثنايا الوجدان، ونادت بأبنائها وبناتها بأن الوطن الذي زرع بالحب وسقي بالوفاء لا يمكن ان يستبد به النكوص أو يخالطه الخذلان، ومن هنا فقد أدركت الجامعة حجم الرسالة وعظم المسؤولية التي ألقتها القيادة الهاشمية على عاتقها فأسهمت بما استطاعت إليه سبيلا بترجمة الآمال الوطنية إلى حقائق ماثلة على الأرض، وصار الأردني والعروبي يفاخر الدنيا بأنه خريج الأردنية الذي شكل تخرجه منها انطلاقة واعية وتجربة حية حملت في طيّاتها طموحاته المشروعة وآماله المحفوفة بالجهد والمثابرة والتعاون الواقعي مع شؤون الحياة وتكاليفها، فضلًا عما تعلمه كل طالب نال قسطًا وافرًا من العلم في رحاب الأردنية من الصبر والاحتمال في سبيل القيام بالطلوب منه واتقانه.

سنة ألفين واثني عشر احتفلت الجامعة الأردنية بمرور خمسين عامًا على تأسيسها، فشرّفها سيّد الدار وعميد آل البيت برعاية الاحتفال المهيب الذي أقامته الجامعة التي أصغت جيدًا لكل مفردة من مفردات الخطاب التاريخي العظيم الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني وأعاد فيه على مسامع الجميع تعريف الأردني الذي قال عنه جلالته أنه الذي (يعتز بهويته الأردنية وبانتمائه الحقيقي لهذا الوطن. والذي يقدم مصلحة الأردن على كل المصالح والاعتبارات. والذي عندما يمر الوطن بظروف صعبة أو استثنائية، يسمو بكرامته وانتمائه على كل مصلحة شخصية أو حزبية أو جهوية، ويقف إلى جانب الوطن في مواجهة كل التحديات. والذي يقوى بالوطن ولا يستقوي عليه، ولا ينتهز الفرص للتحريض عليه. والذي لا يقبل بأي أجندة إلا إذا كانت مرتبطة بتراب الأردن وتضحيات الأردنيين وطموحاتهم. والذي يقيس ثروته الحقيقية بمقدار ما يقدم من عطاء وتضحية وإنجاز وليس بمقدار ما يملك من مال أو جاه. و الذي ينظر للمستقبل وعملية التحديث بعزم وإصرار، ويستمد القوة والثقة بالمستقبل من إيمانه بﷲ عز وجل ومن اعتزازه بتاريخه وتراثه وقيمه الأصيلة، والذي لا يقبل بالفشل بل يتحدى المستحيل وينتصر عليه).

نبارك للجامعة الأردنية التي تعملُ من أجل وطن حر عزيز مهاب، وبناء الأكاديمي والباحث المبدع، والوطني المخلص الذي يصون الهوية و المنحاز دوماً للحقيقة وأمنيات الغد الأردني الجميل، ولسوف تبقى الأردنية قامة باسقة تنثر رائحة النبل، والخلود الأردن العظيم.