facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الغدر الإسرائيلي: صرخة في وجه الغفلة العربية


أ. د. هاني الضمور
09-09-2025 11:51 PM

لم يعد ما يقوم به كيان الاحتلال يثير الاستغراب أو الدهشة، فالتاريخ الممتد منذ نشأته قائم على الاغتصاب والقتل والغدر ونقض العهود. وما جرى اليوم من محاولة اغتيال قادة من حركة حماس، تحت غطاء سياسي وعسكري من الولايات المتحدة الأميركية، ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الجرائم التي اعتاد عليها هذا الكيان منذ أن زرع في قلب الأمة العربية. ومع ذلك، لا تزال بعض الأنظمة العربية تراهن على أوهام السلام، وكأنها لم تتعلم شيئًا من دروس الماضي ولا من عبر التاريخ.

الاغتيال هو لغة الاحتلال الثابتة، وسياسته المفضلة في مواجهة من يعارض مشروعه أو يقاوم وجوده. لم تسلم منه شخصيات فلسطينية ولبنانية، ولا حتى علماء عرب ومسلمون في الخارج. كل ذلك يثبت أن الغدر جزء أصيل من عقيدة هذا الكيان، وليس مجرد استثناء أو رد فعل على ظرف معين. والقرآن الكريم سبق أن أشار بوضوح إلى هذه الصفات حين تحدث عن نقض العهود ونقص الأمانة، فكأننا أمام مشهد يتكرر بوقاحة منذ قرون، يتجسد اليوم على أرض فلسطين بدماء القادة والشهداء.

لكن الخطر الأكبر لا يكمن في فعل العدو وحده، بل في رد الفعل العربي الرسمي والشعبي. فبينما تواصل آلة القتل الإسرائيلية مهمتها الدموية، نرى انحدارًا سياسيًا في المنطقة يتمثل في اندفاع بعض الحكومات إلى التطبيع وتقديم التنازلات تحت شعار “السلام”. أي سلام يُبنى مع قاتل يمارس الإرهاب على مرأى العالم؟ وأي عهود يمكن أن تُعقد مع طرف لا يتوقف عن نقض المواثيق؟ إن ما يجري ليس سلامًا، بل استسلام كامل يشرعن للاحتلال ويمنحه مزيدًا من الوقت ليواصل مشروعه الاستيطاني بلا رادع.

إن المشهد اليوم يستدعي مقارنة تاريخية لا مفر منها: سقوط الأندلس لم يكن وليد لحظة عسكرية فقط، بل نتيجة تراكم طويل من التشرذم والتخاذل والانقسام والصمت. حين انشغل الأمراء بخلافاتهم وأوهامهم، تسلل العدو خطوة بعد خطوة حتى أطبق على الجميع، ولم ينجُ أحد. واليوم، يسير الواقع العربي على الطريق ذاته: تفكك داخلي، تهافت على التطبيع، تبرير للصمت، وعجز عن صياغة موقف جماعي يليق بحجم التحدي. وكأن الأمة مصممة على تكرار المأساة نفسها، دون اعتبار لدروس التاريخ.

الحديث عن “عملية سلام” مع الاحتلال هو ضرب من العبث السياسي. فمن يؤمن أن كيانًا تأسس على الدم والاغتصاب يمكن أن يتحول فجأة إلى شريك في السلام، عليه أن يراجع عقله. هذا ليس خيارًا سياسيًا بل وهم مميت، يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني وحده دمًا ودمارًا، بينما يكتفي الآخرون بالبيانات المكررة أو الصمت المطبق. المقاومة وحدها أثبتت عبر التجارب أنها السلاح الحقيقي القادر على ردع هذا الكيان، وأنها اللغة الوحيدة التي يفهمها المحتل. كل ما عداها مجرد سراب يستهلك الزمن ويمنح العدو مساحة أوسع للتوسع والهيمنة.

المقاومة ليست خيارًا ثانويًا أو ورقة ضغط تُستخدم عند الحاجة، بل هي جوهر المعركة وسبيل النجاة. إنها التعبير العملي عن رفض الاحتلال، وعن تمسك الشعوب بحقها في الأرض والحرية. أما محاولات الالتفاف عليها عبر مشاريع سياسية فارغة أو عبر الرهان على القوى الكبرى، فهي مشاريع محكومة بالفشل، لأن من يرعى الكيان ويدعمه ليس وسيطًا محايدًا بل شريكًا في الجريمة. الولايات المتحدة لم تكن يومًا داعمة للسلام، بل كانت دائمًا محور الشر الذي يغطي جرائم الاحتلال ويمنحه التفوق العسكري والغطاء الدولي.

اليوم، بعد محاولة الاغتيال الجديدة، يجب أن يكون السؤال موجهًا لكل عربي ومسلم: إلى متى الصمت؟ إلى متى الرهان على سراب التسويات؟ إن استمرار هذا النهج يعني ببساطة أن المصير الذي حذر منه التاريخ سيتحقق من جديد. سيجد الجميع أنفسهم ضحايا الغدر ذاته، واحدًا تلو الآخر، حتى لا يبقى مكان للأمة في معادلة القوة والوجود. إننا أمام لحظة مصيرية، إما أن نستعيد فيها كرامتنا ونقف معًا دفاعًا عن حقنا، أو أن نصبح شهود زور على جريمة إبادة تُرتكب أمام أعيننا.

دماء القادة لا تُطفئ المقاومة بل تشعلها. والتاريخ أثبت أن كل عملية اغتيال كانت ولادة لجيل أكثر صلابة وإصرارًا. الاحتلال قد ينجح في تصفية الأشخاص، لكنه لا يستطيع أن يقتل الفكرة ولا أن يطفئ شعلة الحرية في قلوب الشعوب. هذا ما لم يفهمه بعد، وما سيدركه يومًا حين يجد أن كل رصاصة اغتيال قد أنجبت ألف مقاوم جديد.

إنها لحظة الحقيقة، حيث لا مكان للمناورات ولا الأعذار. إما أن يُسجّل التاريخ للأمة أنها وقفت بكرامة وشجاعة، أو أن يكتب أنها تواطأت بالصمت والاستسلام. خياران لا ثالث لهما: مقاومة تحفظ الحقوق وتصون الكرامة، أو خنوع يجرّ الخراب والفناء. والقرار اليوم في يد الشعوب قبل الأنظمة، في يد كل من يرفض أن يُدفن حيًا في غفلة وصمت.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :