حيدر مراد .. في ذكرى الرحيل
أحمد الحوراني
12-09-2025 11:44 AM
تصادف اليوم الذكرى السابعة لوفاة الحاج حيدر مراد الذي انتقل إلى رحاب الدار الآخرة في الثاني عشر من أيلول من العام ألفين وثمانية عشر وفي مثل هذا اليوم اذ نحيي ذكراه العطرة فنحن لا نعرف أهي ذكرى الوفاة أو ذكرى البقاء الخالد في نفوس الناس وذاكرتهم التي تحفل باسم هذا الرجل الوطني الأردني المعطاء الذي فاضت روحه إلى بارئها بعد مسيرة كلّلها بثروة هائلة لا تُقدر بثمن، تلك هي ثروة محبة الناس على اختلاف مستوياتهم ومسمياتهم فقراء وأغنياء، وعامة وخاصة، كبارًا وصغارًا، أصدقاء ومعارف، وتجّار حُقَّ له أن يُلقّب بـالشهبندر لما كان منه من تفانٍ وتضحيات وأدوار لا يمكن إنكارها في سبيل الحفاظ على طرفي معادلة ظل طيلة حياته محافظًا على إحداث التوازن بينهما وهما المواطن التاجر والدولة موظِّفا لتحقيق ذلك كله ما تراكم لديه من خبرات ومهارات ومقدرة فائقة على حل النزاعات والقضايا والتوصل إلى تفاهمات وتوافقات مشتركة بين مختلف أطراف معادلة الاقتصاد الوطني بلا منازع.
في حياته التي امتدت لنحو ثمانية عقود إلا عامين لم أعرف الحاج حيدر مراد إلا في إطار ما كنت أقرأ أو أسمع عنه تاجرًا مُعتّقًا ورجل دولة فاضل وعضو مجلس أعيان مُقّدّر صاحب كلمة ورأي صائب وسديد، وابن وطن منتم صادق في إخلاصه لقيادته الهاشمية ولجلالة الملك عبدالله الثاني، وقبله لجلالة الملك الحسين، لكنني عرفته كثيرًا بعد وفاته حين تفضّلت عائلته الكريمة بإسناد مهمّة تأليف كتاب يوثّق لمسيرة حياته العريضة التي كانت حافلة بالخير والإنسانية والعطاء، وعلى امتداد عام كامل ومع الذكرى الأولى لرحيله في أيلول من العام ألفين وتسعة عشر كان الكتاب «الحاج حيدر مُراد..رجل حقق المُراد» قد صدر وصار واقعًا، فعرفت وطالعت قصة حياة إنسان كافح وجاهد وخطط ونظر إلى آفاق بعيدة في رحلته مع الحياة التي جعلته لا يقبل بأن يكون على هامشها بقدر ما كانت طموحاته وتطلعاته تعانق السماء حين أدرك وفهم أن حياة الإنسان لا قيمة لها إن لم ترتبط برسالة ودور وهدف وغاية لكي تكون وحدها التي تكفل له مسألة حضوره وبقاءه في ذاكرة وفكر ووجدان الناس بعد الوفاة المحتومة والمقدّرة على عباد الله جميعًا.
الحاج حيدر مراد رجل اجتمعت فيه صفات وخصائص ومكونات كان عِمادها الشهامة والمروءة والنخوة والأصالة، وتلك مزايا ما إن وجدت في قلب إنسان إلا كانت خيرًا عليه وعلى من حوله، فتجده هيّنًا ليّنًا مُتلمّسًا لحاجات غيره ومسْتشْعرًا بهم، ولعمري أن تلك هي القواسم التي أجمع والتقى عليها كل من عرف الفقيد بصفاته التي عُرف بها كرجل طيّب المعشر، دمث الخلق، عزيز النفس، صاحب رؤية وطنية، ونظرة قومية عميقة جعلته دائمًا كبيرًا بمواقفه وبأخلاقه وقيمه ومبادئه وحضوره.
اليوم تأتي الذكرى التي تتوالى عاما تلو الآخر، وأجد على المستوى الشخصي فخرًا لا يدانيه فخر واعتزاز بأن أستحضر ذكراه العطرة بكلمات أقل ما يقال في مضامينها أنها كلمات ثناء ومديح لأنني أعلم أنه لم يكن ساعيًا إليها في حياته فكيف إذا كان الحال في مماته، وأختم بما وصفت به الرجل في الكتاب المشار إليه إننا ولكي ننصف المرحوم أبا عيسى كان لزامًا علينا القول بأنه كان لكل مجتمعه ولم يكن يومًا نصير فئة دون أخرى فكان الجميع بنظره سواسية وعلى مسافة واحدة من قلبه الكبير، وأما إذا قيل ماذا كان يكره أو يبغض فإنه لم يكره شيئًا أكثر من القول أو الحديث عن فئوية أو إقليمية أو طائفية أو عنصرية بل كان يمقت مثل هذه المفاهيم الطارئة والدخيلة على قيم مجتمعنا الأصيلة، وتلك هي أبرز السمات والتركة الغنية التي حاز عليها أبناؤه الكرام وما زالوا مستمسكين بها كالعروة الوثقى التي لا تنفصم.