يا ليت قومي يعلمون .. رسالة خالدة من رجل قُتل بالرحمة
د. حمزة الشيخ حسين
16-09-2025 12:13 PM
في خضم صخب الحياة وضجيجها، نغفل أحيانًا عن أعظم الدروس التي بثّها القرآن الكريم في آياته البينات. ومن أبرزها قصة الرجل الذي ورد ذكره في سورة يس، ذاك الذي جاء من أقصى المدينة يسعى مؤمنًا بدعوة المرسلين، مدافعًا عن الحق، محاورًا قومه بالعقل والعاطفة، راغبًا في هدايتهم إلى الطريق المستقيم.
لكن النهاية لم تكن كما تمنى، فقد قابله قومه بالعنف الشديد، رفسًا وركلًا حتى الموت. ولو وقفنا عند هذه اللحظة لظننا أن انتقام السماء هو الطلب الطبيعي والرد العادل، لكن المفاجأة كانت في أمنية الرجل وهو يدخل الجنة: «قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين».
أية نفس عظيمة هذه؟! لم يحمل حقدًا على قاتليه، ولم يسأل الله أن يعاقبهم، بل تمنى لهم الهداية والعلم بما ناله من رحمة وكرامة. إنها رسالة خالدة: أن العظمة الحقيقية تكمن في تجاوز الجراح، وفي جعل الغاية أسمى من مجرد رد الاعتداء.
هذا الدرس القرآني يجد صداه في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم الطائف، حين أذاه قومها وأغروا به سفهاءهم، فجاءه ملك الجبال يعرض أن يطبق عليهم الأخشبين، فكان جوابه: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون». الرحمة قبل الغضب، والإصلاح قبل الانتقام.
اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى استلهام هذه المواقف العظيمة. أن نؤمن أن المجتمعات لا تبنى بالحقد ولا بالكراهية، وإنما بسعة الصدر، والقدرة على حمل الرسالة رغم ثقل الأذى، والصبر على جهل الناس في سبيل إنارتهم بالحق.
إنها باختصار مدرسة الكبار أولئك الذين يختارون الخير حتى مع من أساء إليهم، الذين لا يردون على الجهل بالجهل، بل بالحكمة والموعظة الحسنة. هم من يصنعون الفرق الحقيقي في حياة الأمم، حتى لو لم يعرف الناس أقدارهم..