facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التطرف ليس قدرًا محتوماً


رلى سماعين
21-09-2025 12:24 AM

المجتمعات العالمية اليوم تمر بأزمة حقيقية تتجسد في تصاعد موجات الهجرة الممتدة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن أوروبا إلى بقاع أخرى من العالم، حاملة معها تحديات جوهرية تمس الهوية والثقافة. فالهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل انعكاس مباشر لاضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية غالبًا ما تسفر عن ازدياد في البطالة والفقر وارتفاع نسب الأمية. وفي السنوات الأخيرة، شهدت أوروبا استقبال أعداد غير مسبوقة من اللاجئين والمهاجرين هروباً من الحروب والاضطهاد، في وقت تعاني فيه بعض دول القارة نفسها من أزمات اقتصادية دفعت مواطنيها إلى البحث عن فرص خارج حدودها.

الهجرة إذن ليست حالة عابرة، بل ظاهرة مركبة تؤثر على المجتمعات في بلدان المنشأ كما في بلدان المهجر. فهي تضع المهاجر أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الهوية الأصلية وفي الوقت ذاته الانفتاح على الآخر، وتحقيق الاستقرار الشخصي والاجتماعي ومواجهة تحديات العولمة الضاغطة على الإنسان أكثر من أي وقت مضى. فقدان الهوية، في كثير من الأحيان، يشكل أرضًا خصبة لاعتناق الفكر المتطرف الذي يوحّد على أسس مدمرة للنفس والمجتمع بدل أن يبني. فما بالك حين يفقد الفرد إحساسه بالانتماء وهو ما يزال في وطنه؟

ومن خلال سنوات من القراءة والبحث، تبيّن لي أن الإرهاب ليس مجرد فعل دموي يطل عبر الشاشات، بل نتيجة تراكمات اجتماعية وسياسية تبدأ في عمق النفس. إذ يُغذّى الطفل أو الشاب بخطاب كراهية، فيفقد القدرة على التفكير العقلاني أو الحكيم، وينشأ شخصًا سريع الانفعال، عاجزًا عن تقبّل المختلف في الفكر أو الهوية. وعندها يصبح أداة سهلة الاستخدام في مشاريع الهدم والتدمير. لذلك فالفقر وحده ليس السبب، ولا الجهل وحده، بل التربية المدرسية، والمناهج التعليمية، والخطاب الديني والإعلامي المتزن، هي التي تُبنى عليها شخصية الفرد المتوازن، والتي بدورها تنعكس على الوعي الجمعي للمجتمع.

التطرف والإرهاب ليسا حكرًا على مجتمع بعينه أو دين محدد، وهذه حقيقة ثابتة. وكذلك فإن مواجهتهما لا يمكن أن تبقى حكرًا على أفراد أو دول بعينها، بل تتطلب جهدًا دوليًا متكاملاً على مستويات عدة: فكرية، إعلامية، وأمنية. فالإرهاب في عالمنا المعاصر واقعٌ يهدد استقرار المجتمعات، لكنّه ليس قدرًا محتومًا؛ بل مؤشر على ضرورة المراجعة والتقييم وتوحيد الجهود لمواجهته.

وتبدأ هذه المواجهة من التربية المنزلية السليمة، مرورًا بالتعليم الذي يرسّخ قيم المواطنة ويشرك المجتمع في تحمّل مسؤولياته، وصولًا إلى التعليم الجامعي الذي يهيّئ الشباب لسوق العمل. كما يتجلى في الخطاب الديني الذي يرسّخ قيم الاحترام وتقبل الاخر.

أما الإعلام، فدوره محوري، إذ كثيرًا ما تُسهم بعض التغطيات – من دون قصد – في إعطاء خطاب التطرف مساحة الانتشار التي يسعى إليها. في حين أن مسؤولية الإعلام الحقيقية تكمن في كشف زيف هذا الفكر، وتقديم روايات إنسانية توضّح جذور الصراعات، مع الابتعاد عن إعادة إنتاج الخوف. فالصحافة مدعوة لأن تكون جسرًا للتفاهم والاحترام والتوازن المجتمعي، لا منبرًا للانقسام والكراهية.

مواجهة التطرف والإرهاب ليست معركة آنية أو استجابة مؤقتة، بل مسيرة طويلة تتطلب التزامًا راسخًا، وجهدًا مجتمعيًا متكاملاً، وتعاونًا دوليًا موحدًا على مختلف الأصعدة. فبقدر ما هو تحدٍ عالمي، هو أيضًا مسؤولية مشتركة تُبنى على وعي وفكر، قبل أن تُخاض بالسلاح.

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :