facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مشاعرنا الاصطناعية


فيصل سلايطة
22-09-2025 11:48 AM

في زمن لم تعد فيه الكتابة حكرًا على الإنسان وحده....ظهر الذكاء الاصطناعي ليشاركنا الحروف والعبارات , أصبح النص يُنتَج في ثوانٍ، يُنسج بمهارة، ويقدَّم على هيئة كلمات رتيبة أو بليغة، دون أن يتوقف كثيرًا عند حرارة الشعور أو ارتجافة القلب خلف الجملة.

وهنا يبرز السؤال ... ماذا يحدث لمشاعرنا حين نكتب أو نقرأ بصيغة الذكاء الاصطناعي؟

هل تبقى العاطفة كما هي، أم أن العملية تستبدل الإحساس؟

الكتابة البشرية بطبيعتها فعل داخلي، امتداد للعاطفة والتجربة والجرح والأمل. حين يكتب الإنسان، يسكب ذاته، يخون أحيانًا لغته ليُعبّر عن ألمه، أو يتجاوز قواعد النحو ليؤكد انكساره. الجملة لا تكون مجرد ترتيب منطقي للكلمات، بل أثر قلب نابض، أنفاس شخص مرّ بتجربة.

لكن حين يكتب الذكاء الاصطناعي، يتحول الفعل من تجربة إلى عملية. لا يوجد قلب يخفق، لا عين اغرورقت بالدمع قبل أن تصوغ جملة، ولا يد ترتجف على الورق. هناك معادلات ولغات برمجة وإحصاءات احتمالية تضع الكلمة بعد الأخرى، ليخرج نص بلا عاطفة أصلية، مهما كان متماسكًا أو متقنًا.

المفارقة أن القارئ في كثير من الأحيان قد لا يميز بين نص بشري وآخر صناعي، لكن قلبه يلتقط الفارق الخفي. الإنسان حين يقرأ نصًا نابعًا من تجربة بشرية، يشعر بالدفء أو القسوة أو الصدق. أما النص الاصطناعي، فحتى لو صاغ أجمل العبارات، يبقى كلوحة زيتية بلا رائحة ألوان، أو موسيقى صامتة لا تترك صدى في الذاكرة.

ومع تكرار التعرض لهذا النوع من الكتابة، تتغير مشاعرنا نحن. نبدأ بالاعتياد على نصوص "محايدة"، كلمات جميلة لكنها خالية من الندوب البشرية. نصوص لا تتألم ولا تفرح، فلا تعكس فينا سوى سطحية التفاعل. هكذا شيئًا فشيئًا تتحوّل العاطفة إلى استجابة باردة.

المشكلة ليست في النص الصناعي ذاته، بل في أثره الممتد. عندما نسمح لأنفسنا أن نكتب أو نقرأ فقط عبر الذكاء الاصطناعي، فإننا نخسر شيئًا ثمينًا (العفوية البشرية) نصوصنا تصبح مرتبة أكثر من اللازم، منطقية أكثر مما يجب، لكنها أيضًا فارغة من الفوضى الجميلة التي تمنح الإبداع معناه.

العملية تحلّ محل الإحساس؛ فبدل أن نكتب لنعبّر نكتب لنجعل النص "جيدًا" بالمعايير التقنية. بدل أن نسمح لعاطفتنا أن تكسر إيقاع الجملة، ندع الذكاء الاصطناعي يُعيدها إلى نظام محدد. وهكذا نفقد "الأخطاء" التي تحمل بين طياتها صدقًا إنسانيًا نادرًا.

قد لا يكون الحل في رفض الذكاء الاصطناعي، بل في الوعي بخطورته على العاطفة. يمكننا أن نستعين به كأداة، لا كبديل. نترك له المساحة في الترتيب والتنظيم، لكن نحتفظ نحن بالمساحة التي لا يستطيع أن يصل إليها... مساحة القلب والجرح والذاكرة.

إن مشاعرنا ليست معادلات يمكن برمجتها، وليست نصوصًا يمكن توليدها. إنها ارتباك إنساني أصيل، مزيج من ضعف وقوة، من نور وظل. وإذا سمحنا للذكاء الاصطناعي أن يكتب بالنيابة عنّا بالكامل، فإننا لا نفقد الكتابة فقط، بل نفقد أنفسنا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :