قمة الدوحة خطاب حضاري في عصر فوضى الثوابت الدولية
بسام محمد أبو رمان
22-09-2025 09:04 PM
جاءت قمة الدوحة الاستثنائية، كرد فعل على العدوان السافر والغير قانوني من قبل دولة الكيان الصهيوني على قطر.
بينما تذرعت اسرائيل بمهاجمة "الارهاب" المتمثل بقيادات حماس بالأثناء التي كانت قطر تتفاني خلالها في دور الوساطة الأخلاقي والحضاري الإنساني، الذي أتمنت عليه برعاية أمريكية لوقف العدوان على غزة، وإعادة الرهائن وقد تمخض البيان الختامي للقمة عن 25 قرار، أجمعت جميعا على وحدة الحال والتنديد بأقصى العبارات واستنكار العنجهية الصهيونية تجاه قطر ؛ بالإضافة إلى إعادة التأكيد على ثوابت الأمة تجاه فلسطين، ورفض الاحتلال والتهجير القسري، والتحذير من التبعات الكارثية لسياسة الإبادة والتجويع، ونهج الاستخفاف بالشرعية الدولية وأخيراً؛ الإجماع على أن السلام العادل والشامل هو المسار الوحيد للأمن المجتمعي في المنطقة!
إذن وباختصار فقد تفانت تلك القمة بل وتفوقت على نفسها، بأن كررت المكرر على الرغم من تعديل المعطيات فمعطياتنا يا سادة هذه المرة لم تكن قاصرة على القضية التي مثلت "مستقبل التاريخ" لثمانية عقود، فلسطين بل تجاوزت يد العدوان لتطال الوسيط؛ بل الوسيط الأكثر قدرة على احداث الفارق بمقتضى واقع الحال الذي تم الإعداد له سابقا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر الملفات الشائكة في عصرنا الحديث؛ كملف طالبان، والانسحاب من أفغانستان واحتواء إيران، وما يشهده العالم أجمع من تطور الأحداث الساحة الفلسطينية على مدار الساعة.
كما أن معطياتنا أيضا يا سادة لم تتوقف عند الاعتداء على قطر، بل أنها رافقت الاعتداء بالمثابرة على التنديد والوعيد، وسط تصريحات رئيس الكنيست الإسرائيلي بأنها رسالة للشرق الأوسط ككل في حين تزامن ذلك التهديد مع تأكيد البيت الأبيض بأن قطر حليف رائع جداً مما يوحي بضرورة تصويب مفهومنا لإحدى المصطلحين إما "حليف" أو رائع جداً" كي يستقيم المقال مع المقام !!! وإلا فكيف تجرأ الكيان على ما تجرأ عليه؟
وللأمانة وبشفافية مطلقة، فإنني لا أقصد مما سبق أي إيحاء بالسلبية أو الانتقاد بقدر ما هي دعوة للواقعية ابتداء، يتبعه نداء حقيقي للتحليل المنهجي السليم، وتحديد مراكز القوة ومساحات المناورة المتوفرة. ومن هذا المنطلق بالتحديد كنت أتمنى لو تسنى للقمة الإشارة الى مخرجات الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 2024/07/19 على سبيل المثال؛ والذي أدان كافة ممارسات الاحتلال دون استثناء مع تكليف كافة دول الأمم المتحدة لاتخاذ ما يلزم من المواقف السياسية والاقتصادية والدبلوماسية في مواجهة الاحتلال حتى يمتثل أو مثلاً البناء على تسونامي ردة الفعل المتصاعدة التي نشهدها ضمن أوساط الشارع الغربي، وتمكينها للضغط على قياداتها نحو الحق.
كما أن الواقعية التي أنادي بها لا ترمز بأي شكل من الأشكال الى التخاذل. بل أنها واقعية متجردة تبحث عن حلول أكثر امكانية ضمن ظروف الحدث وبعيداً عن العواطف. واقعية يفرضها ذلك النهج الحضاري ضمن عصر تسوده الفوضى. فلن يستقيم العمل مثلا لو تركت ردود الأفعال للدول المعنية على انفراد. وبمعنى أدق، فليس من المنطق أو الجدية مطالبة مصر - لما تمثله من زخم عسكري وقيمة عروبية رمزية باتخاذ قرارات فردية دون تأمينها عما سوف تعانيه من تبعات اقتصادية دبلوماسية حتمية بالنتيجة وهي ذات الواقعية التي تفرض علينا اليوم، ومن ناحية قانونية بحتة، التمسك باتفاقية وادي عربة كملاذ قانوني وحيد لتجريم التهجير القسري لما فيها من نصوص قانونية حازمة في ذات الخصوص
هي ذات الواقعية يا سادة التي تفرض علينا عدم المغالاة بالتوقع إلا أن يستفيق الأخوة العرب والمسلمون للاستجابة لمثل التحذير الدبلوماسي الحريص والصريح الذي أوردة جلالة الملك عند تأكيده على أن العدوان اليوم غير مقيد بحدود لا إقليمية جغرافية ولا قانونية ولا أخلاقية"؛ أملاً في أن تؤتي الرسالة أكلها،،، والله المستعان.