في ثمانينات القرن الماضي، كانت إسرائيل تتحدث عن السلام وكأنها تستجديه، لتظهر بمظهر الدولة الباحثة عن الأمن والاستقرار. غير أن تلك الدعوات لم تكن سوى ستار يخفي وراءه خطة استراتيجية محكمة: كسب الوقت حتى تمتلك التفوق العسكري والتكنولوجي الكفيل بتغيير موازين القوى في المنطقة.
اليوم، وبعد عقود من الدعم المالي والعسكري والتكنولوجي الغربي اللامحدود، باتت إسرائيل قوة تفرض شروطها لا تطلبها. في المقابل، غرقت دول عربية في دوامة الديون الثقيلة، وتشتت بين أزماتها الداخلية وخلافاتها مع جيرانها، بينما كانت إسرائيل تصعد بثبات على السلم العسكري والاقتصادي والسياسي.
النتيجة واضحة: إسرائيل لم تعد تتردد في قصف أي بلد عربي أو إسلامي ساعة تشاء، وتفرض على خصومها معادلة السلام القسري، أو القبول بالاحتلال الجزئي، أو مواجهة القصف المستمر. إنها سياسة الأمر الواقع التي صنعتها على مهل، مستندة إلى غطاء دولي ومباركة غربية.
أما عن المستقبل القريب، فلا يحتاج إلى كثير من التنبؤ: المنطقة ماضية نحو مرحلة جديدة من الابتزاز العلني، حيث ستتحول ثروات الشرق الأوسط من نفط وغاز ومعادن استراتيجية إلى أوراق ضغط، وربما إلى موارد مجانية تسخر لخدمة المشروع الإسرائيلي. إنها لعبة النفوذ والسيطرة، ولن تتجاوز السنوات العشر المقبلة حتى تتضح معالمها أكثر.
ويبقى السؤال: هل تدرك شعوب ودول المنطقة حجم ما ينتظرها؟ أم أنها ما زالت أسيرة الانتظار، فيما إسرائيل ترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد على طريقتها..