الأردن في نيويورك: صلابة الموقف في زمن الصفقات الغامضة
عيسى حداد
23-09-2025 05:19 PM
باتت نيويورك مسرحاً لأحد أكثر اللقاءات الدولية حساسية وتعقيداً. على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الثلاثاء مع عددٍ من القادة العرب وتركيا في لقاء يحيط به الغموض، ويغيب عنه ولي العهد السعودي والرئيس المصري ، وتتضارب حوله التوقعات. يأتي هذا التجمع في لحظة فارقة، تسبق لقاءً حاسماً بين ترامب ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وسط تسريبات عن خُطط إسرائيلية للضم، وموجة اعترافات دولية متسارعة بدولة فلسطين. في خضم هذا المشهد، تبرز أسئلة مصيرية: هل سيكون هذا اللقاء محطة لاحتواء الأزمة أم مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية؟ وأين يقف الأردن، حارس المقدسات والثوابت، من هذه المعادلة المتشابكة؟
تُشير التسريبات الإعلامية إلى أن الإدارة الأمريكية قد تطرح رؤيتها لمرحلة ما بعد الحرب، والتي قد تشمل مقترحات مثل الإفراج عن الأسرى، انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإشراف سلطة فلسطينية على القطاع بدعم مالي وعسكري عربي. إلا أن هذه الرؤية تظل غامضة المعالم، خاصة فيما يتعلق بالحل السياسي الشامل وحقوق الشعب الفلسطيني. الغياب اللافت لبعض القادة العرب عن الجمعية العامة، أو إلقاؤهم كلماتهم عبر الفيديو، يُقرأ في هذا السياق ليس كتقصير، بل ربما كموقف حذر من المشاركة في مشهد قد يُسقطهم في فخ "شهود الزور" على خطط تمس الحقوق الفلسطينية الثابتة، دون ضمانات حقيقية تمنع الانزياح نحو التهجير أو الضم.
في المقابل، يأتي الموقف التركي أكثر وضوحاً في خطابه. فقد وجّه وزير الخارجية هاكان فيدان انتقادات حادة لما وصفه بـ"العقلية التوسعية الإسرائيلية"، داعياً الدول العربية والإسلامية إلى وقفة حازمة. هذا الموقف، الذي قوبل بالشكر من الرئيس الفلسطيني، يضغط باتجاه رفع سقف المطالب العربية ويرسم خطاً تماسكياً واضحاً في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لفرض الأمر الواقع.
يبقى السؤال الأبرز: ما الدور الذي يؤديه الأردن وسط هذا المشهد المعقد؟ الجواب يتجلى في ثوابته الراسخة التي يعكسها حضوره الرسمي. فالأردن لا يشارك من موقع الضعف أو بقبول دورٍ هامشي، بل يدخل هذه اللقاءات وهو متمسك بسياسات واضحة تُرسم كخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
فموقف الأردن الثابت من رفض الضم والتهجير يجعله يقف بالمرصاد لأي مخطط لضم أراضي الضفة الغربية أو التهجير القسري للفلسطينيين، باعتبار ذلك مساساً مباشراً بأمنه الوطني ومخالفاً للقانون الدولي. كما أن دفاع الأردن المستمر عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية، يؤكد أن أي محاولة للتفريط بهذه الوصاية أو المساس بالهوية العربية للقدس هي خط أحمر غير قابل للمساومة.
ويظل الأردن متمسكاً بحل الدولتين على حدود 1967 كخيار استراتيجي وحيد، معتبراً أن أي حديث عن ترتيبات مؤقتة أو حلول جزئية لا يلامس جوهر القضية. ولا يكتفي الأردن بالموقف الرافض، بل يقود تحركات دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وكشف الانتهاكات الإسرائيلية، مستفيداً من مصداقيته العالية على المستوى الدولي.
في الختام، فإن اختزال دور الأردن بوصفه قد يكون "كبش فداء" في هذا اللقاء يتجاهل حقيقة راسخة: تاريخ الأردن المُمتد في الثبات على المبادئ، وقدرته على ترجمة مواقفه إلى سياسات عملية تصون مصالحه العليا وتدافع عن القضية الفلسطينية. مشاركة الأردن في نيويورك جاءت لتضع فرملة أمام أي مساعٍ تصفوية، ولتجعل صوت الشرعية الدولية والعقلانية مسموعاً. فالأردن، بما عُرف عنه من صلابة الموقف واستقامته، أكبر من أن يُدفع إلى "الهامش"، وسيبقى الصوت العربي الأصدق في الدفاع عن فلسطين، حاملاً راية الحق والعدالة في كل ساحة ومحفل.