استقالات تشق صفوف الحزب المدني الديمقراطي
24-09-2025 10:14 AM
عمون - في خطوة مفاجئة ومفصلية، أعلن الأمين العام المساعد للشؤون الإعلام السيد ينال فايز الدبّاس، وهو عضو بارز وناشط في المكتب التنفيذي للحزب الديمقراطي المدني، استقالته من جميع هياكل الحزب، وجاء القرار بعد ان تمّ انتخابه منذ اسابيع كعضو في المكتب التنفيذي خلال اجتماع الهيئة العامة الاخير للحزب، مما زاد من وقعه على المشهد السياسي الداخلي للحزب، وقد تضمّن البيان الرسمي المرفق مع الاستقالة المرفق نسخة منها، نقدًا حادًا لتوجهات الحزب الحالية، التي رأى الدّباس أنها انحرفت عن المبادئ الأساسية التي تأسس عليها، واصفًا استقالته بأنها قرار مؤلم ولكنه ضروري، ومؤكدًا على شعوره العميق بالأسف تجاه تدهور وضع الحزب وابتعاده عن قيمه الأصلية.
تحمّل الدبّاس كامل المسؤولية أمام التاريخ وأمام أعضاء الحزب، معبرًا عن أسفه العميق لما اعتبره انحرافًا عن قيم العدالة والديمقراطية التي ناضل مؤسسو الحزب من أجلها، وأوضح أن الاستمرار في ظلّ النهج الحالي لم يعد يتماشى مع معتقداته أو مع المبادئ التي كان يفترض أن يدافع عنها الحزب، معتبرًا أن ما كان يُعدّ طريقًا للإصلاح الداخلي أصبح تحت مظلة القيادة الحالية حلمًا بعيد المنال.
تأسس الحزب الديمقراطي المدني على مباديء المدنية والتعددية والديمقراطية الداخلية، التي كانت تشكّل حجر الزاوية لضمان المشاركة العادلة والفعالة لجميع الأعضاء في اتخاذ القرارات المصيرية، إلا أن هذا المبدأ، بحسب البيان، شهد تآكلًا واضحًا في الآونة الأخيرة، حيث تحولت القيادة من منهج التشاركية إلى ممارسة الاستبداد، والانفراد بالقرارات والتسلّط، مما أدى إلى تدهور الثقة بين الأعضاء، خاصة داخل المكتب التنفيذي، وانفصال الهيئات القيادية عن القواعد العامة للحزب.
وكان أحد أبرز أسباب الاستقالة هو الإقصاء الممنهج لعدد من الأعضاء المؤثرين داخل الحزب، فقد تم تهميش العديد من الشخصيات البارزة وإقصاؤها بشكل غير مقبول، مما أثار استياءً واسعًا بين الأعضاء المؤسسين على مختلف مستوياتهم التنظيمية، وقد تجاوزت آثار هذا الإقصاء الحالات الفردية، لتمس المبادئ والقيم الأساسية التي كان الحزب يزعم تمثيلها. كما ساهم غياب التواصل والشفافية بين القيادة والقواعد في تنامي مشاعر العزلة والاستياء.
لفت البيان أيضًا الانتباه إلى المعايير المزدوجة التي بدأت تهيمن على مواقف الحزب، خاصة في ما يتعلق بالقضايا السياسية الحساسة، وقد أشار الدبّاس إلى وجود تناقضات صارخة في سياسات الحزب، من خلال تعاونه مع كيانات متهمة بتقويض المبادئ التي يدّعي الدفاع عنها، مبينًا أن هذه التناقضات لم تقتصر على التحالفات السياسية فحسب، بل امتدت لتشمل الممارسات اليومية داخل الحزب، ما أدى إلى تآكل مصداقيته في المشهد العام. لقد بات الحزب، الذي كان يُنظر إليه في وقت من الأوقات كمنارة أمل أولى لأولئك الباحثين عن بديل ديمقراطي حقيقي، متورطًا اليوم في صراعات داخلية وموسوماً بتصفية حسابات شخصية، وهو ما ألقى بظلاله على قدرته على تنفيذ أي إصلاحات داخلية حقيقية، كما تراجعت الشفافية في عملية اتخاذ القرارات، وغابت المساءلة، مما ادّى الى اضعاف التواصل بين القيادة والأعضاء، مما أدى إلى عزلة القيادة عن القواعد تسببت في أزمة عميقة أثرت سلبًا على استقراره الداخلي.
وفي كلماته الأخيرة، أكد ينال الدبّاس التزامه الثابت بمبادئ العدالة والحرية والمساواة، موضحًا أن استقالته جاءت كرفض قاطع لمسار الحزب الحالي الذي اعتبره منحرفًا عن منطلقاته الأساسية، وأضاف أن تركيز السلطة في يد فئة محددة أدى إلى تهميش شرائح واسعة من الأعضاء، وهو ما يناقض صراحة قيم الديمقراطية الداخلية التي يُفترض أن الحزب يمثلها. وفي ظل هذه الظروف، عبّر الدّباس عن شعوره بالعجز عن الاستمرار في العمل داخل الحزب وفي ظلّ نظام فقد بوصلته وتاهت طرقه.
تُطرح اليوم تساؤلات مشروعة حول مستقبل الحزب: هل تمثل هذه الاستقالة بداية النهاية لحزب كان يومًا ما يُفتخر بتاريخ ونضالات مؤسسيه، أم ستكون صدمة توقظ القيادات من غفلتها وتدفع نحو إصلاح حقيقي؟ يبقى الجواب مرهونًا بقرارات الحزب القادمة، ومدى استعداده للعودة إلى المبادئ التي تأسس عليها. وفي كل الأحوال، تشكل هذه الاستقالة لحظة مفصلية في تاريخه، كجرس انذار ونداءً عاجلًا للإصلاح الجذري إن أراد استعادة مصداقيته وموقعه كقوة ديمقراطية فاعلة.
في الختام، تمثل استقالة ينال الدبّاس تحذيرًا واضحًا لكل من يراقب المشهد السياسي، إذ تبرز الحاجة الملحة لمواجهة التأثيرات السلبية لقرارات القيادات على استدامة ومصداقية الأحزاب السياسية، كما تؤكد هذه اللحظة على أهمية الشفافية والمساءلة، والحاجة إلى إعادة الالتزام بالمبادئ الديمقراطية، لضمان بقاء الحياة الحزبية في مسارها الصحيح، وتوفير أمل حقيقي للجيل القادم في التغيير والمشاركة السياسية الفاعلة.