مخالفات بلا صافرة .. عندما تتحول العرقلة من الملاعب إلى المكاتب
د. ثروت المعاقبة
15-12-2025 06:29 PM
في بيئة العمل بشكل عام ، لا تظهر العرقلة دائمًا بشكل مباشر أو صريح، ولا تأتي غالبًا على هيئة رفضٍ واضح أو قرارٍ معلن. بل تتسلّل بهدوء، متخفية خلف تأجيل غير مبرّر، أو تجاهل متعمّد، أو تشكيك مستمر في الجهود والقدرات، وهي سلوك خفيّ، لكنه شديد التأثير، يبطئ الإنجاز، ويستنزف الطاقات، ويحوّل بيئة العمل من مساحة إنتاج إلى ساحة مقاومة صامتة، ومع تكرار العرقلة، لا يتضرر الفرد وحده، بل يتآكل أداء الفريق، وتختل الثقة، وتبدأ المؤسسة بدفع ثمنٍ باهظ لا يُرى فورًا، لكنه يتراكم حتى يظهر على شكل فشل أو تراجع يصعب تداركه.
وليست كل العرقلة مرئية كما في كرة القدم، وليست كل المخالفات يُطلق عليها الحكم صافرة.وفي العمل، العرقلة أكثر دهاءً، وأقل ضجيجًا، وأكثر أثرًا على المسيرة المهنية والنفسية، وقد تبدو الصورة الرياضية لقطة عابرة، لكن خلفها درس قيادي عميق ما يحدث في الملعب يُحاسَب فورًا، وما يحدث في المؤسسات قد يستمر طويلًا دون مساءلة.
العرقلة الصامتة الوجه الخفي للصراع المهني حيث لا تأتي العرقلة دائمًا في صورة مباشرة قد تتجسد في معلومة لا تصلك في وقتها أو بالشكل الصحيح، أو قرار يُتخذ خلف ظهرك، أو تشويه إنجازك بلغة مهذبة، أو “نصيحة” تبدو داعمة لكنها تهدف لإبطائك وتراجعك، وخطورة هذا النوع أنه لا يترك أثرًا واضحًا، بل يراكم الخسائر تدريجيًا حتى ينهك صاحبه.
أكثر ما يربك المحترفين أن العرقلة لا تأتي دائمًا من منافس خارجي بل أحيانًا كثيرة يكون المعرقل زميلًا في الفريق ذاته، أو شخصًا يفترض أنه يشترك معك في الهدف العام أو الإنجاز، وهنا يختلط الولاء بالمصلحة، والتعاون بالتنافس غير العادل، فتضيع البوصلة ويصعب التشخيص الدقيق .
والعرقلة المهنية تؤلم أكثر من العرقلة الرياضية لأنها تضرب في العمق: الثقة حين تفترض أن الجميع يلعب بالقواعد نفسها، تبني قراراتك على حسن النية وعندما تُكتشف العرقلة متأخرًا، لا تكون الخسارة فرصة واحدة، بل جهد سنوات، وحماسًا تآكل، وثقةً تصدعت وليست المشكلة هنا نقص مهارة او قدرة على أداء مهام، بل افتراض بيئة عادلة لا تُدار دائمًا بعدالة.
وهنا تبرز القيادة بين اللطف والسذاجة فمن المهم الفصل بينهما فالنية الطيبة قيمة أخلاقية عالية، لكنها ليست استراتيجية عمل فالقيادة الواعية تميّز بين اللطف والسذاجة، وبين حسن الظن وغياب الحذر .
أن تكون محترفًا لا يعني أن تكون قاسيًا، بل أن تكون واضحًا، واعيًا، وقادرًا على حماية إنجازك دون أن تفقد إنسانيتك.
ولتحمي مسيرتك دون أن تتحول إلى خصم إبدأ بالتوثيق؛ لا تفترض أن أحدًا “يعرف” ما أنجزت، ابنِ شبكة علاقات أوسع من شخص واحد لتقليل الاعتماد الأحادي، وكن واضحًا في إنجازاتك دون تبرير أو مبالغة وحاول الفصل بين اللطف والسذاجة في تفاعلاتك اليومية. والأهم، لا ترد بالعرقلة على العرقلة؛ فالردّ الأمثل هو أداء أعلى، واتساق مهني، وحدود واضحة.
اللاعب الذكي لا يضيع طاقته في الشجار مع من يعرقله. ينهض، يعيد تمركزه، ويكمل اللعب ويزيد طاقته في العمل أيضًا، النجاح ليس في تجنب العرقلة تمامًا، فذلك غير واقعي بل في ألا تسمح لها أن تُحدّد مسارك. الاستجابة الذكية تحوّل العرقلة إلى اختبار نضج، لا إلى سبب سقوط.
وتشير بعض دراسات السلوك التنظيمي إلى أن البيئات التي تغيب فيها معايير المنافسة العادلة تخسر جزءًا أساسيا من إنتاجيتها بسبب الصراعات الخفية لا الأخطاء التقنية. عندما تتحول المؤسسة إلى ساحة شدّ خفي، تتراجع الثقة، وتضعف المبادرة، ويُهدر الإبداع في الدفاع بدل البناء.
وفي نهاية المشهد العام، يبقى السؤال القيادي الأهم..... هل تلعب لتُسقط غيرك أم لتصل أنت؟
المؤسسات التي تُكافئ الوصول النظيف تبني قادة، أما التي تتسامح مع العرقلة الصامتة فتُراكم خسائرها ببطء.
اختر أن تلعب باحتراف، أن تسجّل دون أن تُسقط، وأن تجعل إنجازك هو الصافرة التي لا يمكن تجاهلها.