بعد موجة الاعترافات الأوروبية والعالمية بدولة فلسطين، التي نقلت القضية الفلسطينية إلى أولويات الأجندة العالمية، وأنقذتها من مشاريع ومخططات التصفية الإسرائيلية – الأمريكية، ورسخت وجسدت جزءًا من فلسطين على الخارطة العالمية والشرق أوسطية، كدولة فلسطينية مستقلة، وجد الكيان نفسه وحليفه الاستراتيجي في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، في دائرة ضيقة وحيدَين، وفي مواجهة مع شعوب العالم قاطبة، وخاصة الأوروبية منها، حيث انكشف الوجه الإجرامي الإسرائيلي والإرهابي، الذي لا يُجيد إلا لغة القتل والإجرام، وتهاوى زيف الدعاية والرواية الإسرائيلية أمام العالم أجمع، ووصلت الحقيقة كما هي إلى كل بيت في هذا العالم، الذي ظل مخدوعًا عشرات العقود بزيف دعاية إسرائيل العالمية والكيان الغاصب.
اليوم تنتفض شعوب أوروبا وحكوماتها ضد جرائم الكيان بحق الشعب الفلسطيني، وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها على البشر والشجر والأرض والحجر، ضد الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية، تدميرًا واقتلاعًا وتطهيرًا عرقيًّا، وقتلًا وهدمًا وتهجيرًا قسريًّا واغتصابًا وإحلالًا. ولم يبقَ في قاموس البشرية نوع من الإجرام إلا ارتكبه ضد الشعب الفلسطيني.
تقف اليوم أوروبا في وجه هذا الكيان المجرم القاتل الإرهابي بقوة غير مسبوقة: إيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وإيرلندا، وغيرها، لتقول كلمتها وتعلن استعدادها للدفاع عن الشعب الفلسطيني، هي ودول أخرى في العالم، بعد أن تجاوز الإجرام الإسرائيلي كل الحدود والألوان.
لا يستطيع الكيان الغاصب أن يستوعب العزلة الدولية التي يواجهها اليوم، فهو لم يعتد على ذلك منذ أن زرعه الآخرون في بلادنا للتخلص منه، إذ كانوا يعتبرونه نفايات أوروبا البشرية غير المرغوب بها. ولم يعتد أن يكون منبوذًا بهذا الشكل، ومكروهًا إلى هذا الحد، ومرفوضًا وملفوظًا عالميًّا إلى هذا المستوى السحيق، حتى أصبح محاصرًا محشورًا في زاوية ضيقة، مجبرًا على الولوج من سَمِّ الخياط، وأنَّى له ذلك.
الدبلوماسية الفلسطينية والعربية تحقق اليوم إنجازًا كبيرًا، وهي تنتزع كل هذه الاعترافات بدولة فلسطين من أهم الدول الأوروبية، ودول العالم الأخرى المهمة والمؤثرة في القرار العالمي.
مواقف الدول الأوروبية في تصاعد مستمر، بعد أن وصلت إلى قناعة بأن الكيان الغاصب لا يفهم لغة السياسة والدبلوماسية، ويتمرد على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي لم تجد معه نفعًا على مدى ثمانين عامًا تقريبًا. ولا بد من التعامل معه بالأسلوب الذي يفهمه، ويُجبره على الفهم والاستجابة للإرادة والرغبة الدولية، والقوانين والقرارات الدولية.
حكومة الاحتلال تتخبط وهي مرتبكة، وغير قادرة على امتصاص الضربة السياسية القاضية التي تلقتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد الاعترافات الواسعة بدولة فلسطين التي أفشلت المشروع الإسرائيلي التوسعي والاستيطاني في فلسطين التاريخية. لذلك تجدها تتخذ القرارات المتسرعة والعشوائية وغير المدروسة، وكان أبرزها قرار إغلاق معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن، لمحاصرة الشعب الفلسطيني وتجميد حركة وتنقل وسفر المسؤولين الفلسطينيين وأبناء الشعب الفلسطيني، وتعطيل مصالحهم في الخارج، خاصة الطلبة ورجال الأعمال والمرضى والعاملين في دول عربية وأجنبية وغيرهم.
إنه إجراء إجرامي يمثل عقابًا جماعيًّا لحوالي أربعة ملايين فلسطيني يستخدمون هذا المعبر الوحيد للشعب الفلسطيني، وهو الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيون ذهابًا وإيابًا.
إنه إجراء عدائي موجَّه ضد الأردن وفلسطين في الوقت نفسه، ولا شك أن مواقف وتوجيهات وسياسة جلالة الملك عبدالله الثاني والأردن حكومةً وشعبًا، زرعت الجنون في رأس نتنياهو وأعضاء حكومته الفاشية النازية العنصرية المجرمة.
الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تنتظر ما بعد الاعتراف الأوروبي والعالمي بدولة فلسطين من إجراءات عملية على الأرض، والتعامل مع دولة فلسطين كدولة مستقلة، وإقامة العلاقات المختلفة معها، وحمايتها من جرائم الاحتلال، واعتبارها عضوًا كامل العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تُمثَّل في جميع المؤسسات والهيئات والمنظمات التابعة لها، ولجم الكيان ومنعه من تنفيذ مخططاته التوسعية في فلسطين المحتلة.