يكثر في أيامنا هذه منابر الهجوم على الأردن، ينهال البعض بالنقد والتجريح، وكأنّ الأردن لم يكن يوماً سنداً لفلسطين وأهلها. لكن السؤال البسيط والعادل الذي يجب أن يُطرح هو: ماذا فعلت تلك الدول لفلسطين؟
الأردن لم يتعامل مع فلسطين كقضية بعيدة أو ملف سياسي عابر، بل كجزء من هويته ووجدانه. لا يوجد بيت أردني إلا وفيه حكاية مع فلسطين؛ إما نسب ومصاهرة، أو جيرة وقرابة، أو ذكرى شهيد وجريح. الأكلات والموروثات الشعبية تداخلت حتى صار التفريق بينها وبين فلسطين عسيراً، وكأننا أمام جسد واحد.
منذ عام 1948 وحتى اليوم، حمل الأردن عبء مئات آلاف اللاجئين، وفتح بيوته ومدنه ومخيماته لهم، دون أن يغلق باباً أو يرفع جداراً. الأردنيون لم ينظروا إلى الفلسطينيين كغرباء، بل كأهل، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم , لكن مع التأكيد على حدود السيادة التي حاول البعض تخطّيها...و ندم.
في زمنٍ كانت بعض الدول تكتفي بالشعارات والخطب الحماسية، كان الأردن يدخل الحروب دفاعاً عن فلسطين. دماء الجنود الأردنيين امتزجت بتراب القدس والخليل ونابلس والكرامة. معركة الكرامة عام 1968 لم تكن شعاراً، بل سطراً حقيقياً كُتب بالدم ليقول إن فلسطين والأردن في خندق واحد.
يكثر الحديث عن مواقف الجزائر مثلاً، حيث ترفع الشعارات في الملاعب وتهتف الجماهير باسم فلسطين. وهذا جميل من حيث الرمزية، لكنه لا يتجاوز حدود الصوت والصورة. فهل أرسلت الجزائر جيشاً لتحرير القدس و غزة اليوم؟ هل استقبلت اللاجئين الفلسطينيين كما فعل الأردن؟ هل فتحت مدارسها ومستشفياتها لعلاج الفلسطينيين بالمجان؟ الشعارات وحدها لا تُحرّر أرضاً ولا تُطعم جائعاً ولا تداوي جريحاً.
أما الدول التي تكتفي بالشتائم والهجوم على الأردن، فلننظر في سجلها:
هل استقبلت موجات اللاجئين الفلسطينيين عبر العقود؟
هل دخلت حرباً لأجل فلسطين؟
هل بنت مؤسسات أو دعمت التعليم والصحة للفلسطينيين على أرض الواقع؟
غالباً، الجواب هو لا. الاكتفاء بالمزايدة أسهل من مواجهة التضحيات.
الأردن لم يكن يوماً متفرجاً. الجامعات الأردنية خرجت أجيالاً من الفلسطينيين. المستشفيات الأردنية عالجت جرحى الانتفاضة والعدوان. حتى في أصعب الظروف الاقتصادية، ظل الأردن يقدّم ما يستطيع، متحملاً أعباءً تفوق قدراته، لا طلباً لمجد سياسي، بل إيماناً بأن فلسطين هي شقيقة الروح.
من حق الجميع أن يرفع صوته لفلسطين، لكن ليس من حق أحد أن يزايد على الأردن. فالأردن لم يترك فلسطين وحيدة يوماً، ولم يغلق بابه في وجه أهلها، ولم يساوم على قضيتها. بين الأردن وفلسطين نسبٌ ودمٌ وتاريخٌ مشترك، لا تهزه كلمات غاضبة ولا أصوات مرتفعة من بعيد.
حتى لبعض الفلسطينيين نقول : لا تجعلوا الناس تنفر من القضية ، لا تجعلوا عنوانكم العريض (الشتم) ، شتم الدول و الحكومات و الرؤساء ، من بدأ الطوفان الأقسى و خطط له و نفّذه كان عليه أن يدرس كيفية ايقافه...فما من أحد يحمل وزر ما حصل سوى من نفذه...نحن معكم لكننا لن ندمّر أوطاننا مطلقا من أجلكم...
والسؤال الذي يجب أن يظل مطروحاً للغير: ماذا فعلتم أنتم لفلسطين، قبل أن تُحاسبوا الأردن الذي أعطى وما زال يعطي؟