أزمة الفساد وأعباء المواطن في ظل استنزاف المؤسسات
لانا ارناؤوط
25-09-2025 03:03 PM
لم تعد أزمة الفساد في المؤسسات الأردنية قضية عابرة أو مجرد خبر يتداول في وسائل الإعلام، بل أصبحت همًا يوميًا يعيشه المواطن في تفاصيل حياته. فالفساد لم يعد يقتصر على ملفات كبرى تتعلق بصفقات أو عقود مشبوهة، وإنما يتغلغل في آليات العمل الإداري والخدماتي، فيضاعف الأعباء على المواطن الذي يجد نفسه يتحمل تكلفة هذا الخلل مرتين: مرة عبر سوء الخدمات المقدمة له، ومرة عبر ما يُقتطع من دخله المحدود لتمويل مؤسسة لا تؤدي دورها بالشكل المطلوب.
المواطن الأردني يواجه أصلًا ضغوطًا اقتصادية ومعيشية متراكمة، من بطالة وارتفاع أسعار وتحديات اجتماعية، لكن وجود الفساد يضاعف من هذا العبء، إذ يتحول من عائق تنموي إلى جدار صلب يحجب الأمل بالإصلاح. فالمؤسسات التي كان يفترض أن تكون رافعة للعدالة والتنمية باتت عبئًا إضافيًا على من جُعلت لخدمته.
وما يزيد من مرارة المشهد أن القاعات الفخمة في الفنادق تشهد يوميًا مؤتمرات وندوات تُعقد تحت عناوين براقة لمناقشة "قضايا المواطن". تُخصص لها أرقام طائلة تكفي لإصلاح جزء من الخلل لو استثمرت في المؤسسات نفسها. هذه المؤتمرات تحولت إلى طقس بروتوكولي يجتمع فيه مسؤولون يستعرضون حضورهم أو أشخاص معنيون بالمشكلة يحضرون على أمل وجبة غداء مجانية في أحد فنادق الخمس أو الأربع نجوم، بينما تبقى القضايا الجوهرية بلا حلول حقيقية.
إن مكافحة الفساد لا تحتاج إلى مؤتمرات استعراضية بقدر ما تحتاج إلى إرادة حقيقية تُترجم إلى آليات رقابة فاعلة، وشفافية في إدارة المال العام، وربط المساءلة بنتائج ملموسة. فالمواطن لا ينتظر خطبًا أو صورًا في نشرات الأخبار، بل يريد أن يرى مؤسسة نظيفة تؤدي دورها وتعيد له جزءًا من ثقته المفقودة بالدولة.
أزمة الفساد إذًا ليست مجرد قضية إدارية أو مالية، بل أزمة ثقة وشرعية، لأن المواطن حين يرى أن الحلول تتحول إلى مائدة فندقية بدل أن تُترجم إلى سياسات، يفقد الإيمان بجدوى المشاركة والالتزام، ويتولد لديه شعور بالخذلان والاغتراب عن مؤسساته.