المساعدات الخارجية .. بين حضور الأمس وتراجع اليوم
محمد علي الزعبي
27-09-2025 04:18 PM
لم تكن المساعدات الخارجية يومًا مجرّد أرقام تُدرج في دفاتر الحسابات أو منح موسمية تمرّ مرور الكرام، بل كانت رافعة اقتصادية ودبلوماسية لعبت أدوارًا محورية في تمويل المشاريع الوطنية، ودعم البنية التحتية، وتعزيز قدرات مؤسّسات الدولة، ولطالما شكّلت هذه المساعدات جسرًا من الثقة بين الأردن وشركائه الدوليين، تُدار بكفاءة وحرفية من قبل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، التي عُرفت لعقود بقدرتها على اجتذاب التمويلات وإعادة توجيهها حيث الحاجة والضرورة.
لكنّ المشهد اليوم يشي بغير ذلك. إذ تراجعت منظومة العمل داخل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وفقدت شيئًا من زخمها الذي كان يُشار إليه بالبنان، لم تعد المبادرات كما كانت، ولا الخطط بذات الانسيابية، فيما غابت الجدية عن كثير من برامج التواصل مع الجهات المانحة، وأصبحنا نرى ارتباكًا في رسم الأولويات، وتقصيرًا في مأسسة العمل الذي كان سابقًا ركنًا صلبًا في تحقيق الشراكات وتثبيت مكانة الأردن في دوائر التمويل الدولية.
لقد كانت الوزارة في سنوات سابقة أكثر قدرة على الإقناع، وأقوى حضورًا في ساحات التفاوض، وأمضى عزيمة في ترجمة المساعدات إلى مشاريع واقعية، تُسهم في دعم الوزارات والمؤسّسات الوطنية، وتسدّ فجواتٍ مالية كان من شأنها أن تعطل مسيرة الإصلاح أو التنمية. أما اليوم، فإن ضعف الأداء يثير أسئلة مشروعة: هل ضاعت البوصلة بين الملفات والأولويات؟ أم أن غياب التخطيط الاستراتيجي جعلنا نتأخر في ركب المنافسة على التمويل الدولي؟
المساعدات ليست هِبة مجانية، ولا شأنها أن تُختزل في مناسبات بروتوكولية، بل هي أداة سياسية واقتصادية تحتاج إلى عقل مُفاوض، وإدارة ذات رؤية، وفريق يمتلك الخبرة والدينامية في مخاطبة المؤسسات المانحة بلغتها ومنطقها. وهو ما يستوجب مراجعة عاجلة تُعيد الاعتبار لدور وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وتضخّ دماء جديدة قادرة على استعادة ثقة الشركاء، وإحياء شبكة العلاقات التي بناها الأردن عبر سنوات طويلة من العمل الجاد والمثمر.
إنّ الذاكرة القريبة تشهد أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي كانت نموذجًا في الانفتاح على مصادر التمويل، وفي توزيع العوائد بعدالة بين المشاريع الوطنية، بينما نشهد اليوم تراخياً أضعف حضورها وأثّر على أدائها،ولذا فإن العودة إلى النهج المؤسسي الرصين لم تعد ترفًا، بل ضرورة ملحّة من أجل أن يبقى الأردن قادرًا على تحويل المساعدات الخارجية إلى قوة دفع حقيقية، لا إلى مجرّد وعود تتبخر في الهواء.