facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إلى كل باحث تربوي يرجو حسن الخاتمة


د. هاشم محمود الزيود
29-09-2025 10:55 AM

تزدحم صفحات "لينكدإن" بكمٍّ هائل من الإنجازات المدعومة بالشهادات، والدعوات للمؤتمرات، والصور الملوّنة أمام شاشات "الداتا شو" أو على المنصات، والبادجات تتدلّى على الصدور كأوسمة نصر، تلمع وتخطف الأبصار. أما عناوين المشاركات فلا تكاد تخلو من الاستراتيجيات والأفكار الحديثة والإنجازات العظيمة في المجال التربوي.

ونحن، من جهتنا، نتسابق لوضع الإعجابات والتعليقات التي تمطر صاحب المنشور بالإطراء وكأنّه "جاب الذيب من ذيله". نرفع القبعات وننبهر بجمال المحتوى دون أن نكلف أنفسنا حتى عناء القراءة، وكأننا في حفلة لأم كلثوم نردد بصوت واحد: "عظمة على عظمة يا ست!"

والأجمل – أو ربما الأدهى – حين تقترن العناوين بمصطلحات إنجليزية رنانة، منمّقة، تأتي "على الوزن والقافية"، فتزيد المشهد بريقًا وتمنحنا شعورًا زائفًا بأننا على خط المواكبة والتحديث.

وفي الوقت نفسه، يجاهد معلم في غرفة صفية صغيرة لمساعدة طفل على مسك القلم بطريقة صحيحة، وآخر على كتابة الحروف فوق السطر وتحته. وبينما يتصبب المعلم عرقًا وهو يحاول أن يوزّع انتباهه بين كل هؤلاء الصغار، تزدحم قاعات الفنادق بتوصيات المؤتمرات عن أحدث النظريات واستراتيجيات التدريس، ويتسابق الباحثون لتقديم أنفسهم كخبراء في توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم. وتمتلئ المجلات التربوية بعناوين أبحاث براقة توحي وكأننا شخّصنا كل أوجاع التعليم على مدى عشرين سنة، وأننا مقبلون على مرحلة "شحّ التحديات" التربوية. حتى ليخيّل للمرء أن الحصول على عنوان رسالة ماجستير أو دكتوراه بات ضربًا من الخيال، وأن بعض الأساتذة سيبقون في رتبهم الأكاديمية سنوات طويلة لعدم وجود موضوع يصلح للنشر في مجلة علمية محترمة.

لكن الحقيقة ليست كذلك.

وهنا تأتي الدعوة الصادقة لكل باحث تربوي يريد أن يكون علمه حجة له لا عليه يوم القيامة، ويريد أن يكون علمه مما ينتفع به الناس لا مجرد لقب أو ترقية أو سطر إضافي في السيرة الذاتية:

احضر حصة واحدة عند أحد معلمي الصفوف الثلاثة الأولى.

راقب معاناتهم في ضبط الطلاب داخل صفوف مزدحمة يزيد عدد طلابها عن ضعف العدد المثالي الذي تنادي به الأبحاث.

لاحظ كيف يتحول المعلم إلى "قاضي أطفال" يحكم بين المتخاصمين بحكمة وصبر، وكل واحد منهم يجهش بالبكاء ليقنعه أنه صاحب الحق.

تأمل الفارق بين الطالب الذي يحظى بمتابعة لصيقة من أسرته ومعلمه الخصوصي، وبين آخر لا يجيد القراءة والكتابة وقد "فات به الفوت" – وكلاهما أمانة في عنق المعلم.

ادرس علاقة أولياء الأمور بالمعلمين: بين ولي أمر يراقب كل تفصيلة حتى صار المعلم يراه في أحلامه ويغيّر طريقه في الممرات لتجنب مواجهته، وولي أمر آخر لا يعرف الصف الذي يدرس فيه ابنه ولا يرد على أي ملاحظة، بينما ابنه يحضر بلا قلم ولا واجب وينام في الحصص الأولى أو يتنمّر على زملائه في الفسحة والحصص الأخيرة.

وإن كنتِ باحثة، فادرسِي الظروف الصحية والنفسية لمعلّمة حامل في أشهرها الأخيرة: معاناة صعود الدرج، آلام الركل والحركة، تورّم القدمين، ثم أداء دورين متوازيين؛ دور المرأة العاملة ودور الأم الراعية.

إن كنت باحثًا تربويًا حقيقيًا، فجرّب أن تعيش يومًا واحدًا كمعلم:

قدّم الحصة التي تلي حصة الرياضة أو بعد الفسحة، حيث الطاقة الفائضة والتحدي الحقيقي، وحيث تختلط رائحة الأحذية بروائح الأجساد المتعبة.

قف مكان معلم نصابه سبع حصص، لديه ريادة صف، وهو عضو في ثلاث لجان إحداها لجنة ضبط السلوك التي لا تجتمع إلا بعد نهاية الدوام.

ستخرج من هذا اليوم بموضوعات أعمق من كل ما قرأته في التوصيات والكتب والنشرات، وربما تكتب بحثًا واحدًا يكون أنفع للميدان من عشرات الدراسات النظرية. حينها ستدرك أن توصيات بحثك تشبه حكم القاضي على المتهم: إما البراءة أو الإعدام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :