يمكن للمحلل التقاط الإشارات الواضحة والدلالات الصريحة التي اشتمل عليها لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مع رؤساء الحكومات السابقين في قصر الحسينية يوم أمس والتي تمحورت حول جملة القضايا موضوع الساعة أكان على الساحة المحلية الوطنية أو فيما يخص تطورات الأوضاع في المنطقة والتوافق إزاء الخطة الشاملة حول غزة التي عرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على القادة العرب والمسلمين فضلًا عن التلاقي في وجهات النظر مع قادة الدول الشقيقة والصديقة لا سيما في ملف القضية الفلسطينية وهي التي استحوذت على مساحات واسعة من لقاءات جلالته في جولاته المحلية والإقليمية والدولية في إطار جهود مكثفة بذلها الأردن بقيادة الملك لوضع حدٍّ لدوّامة العنف التي تدور في غزة منذ قرابة عامين وهنا لا بد لنا من إعادة التذكير بحجم الجهود الدبلوماسية التي قام بها الأردن إقليميا ودوليا من أجل التهدئة الشاملة في المنطقة واستعادة الأمن والاستقرار، وتكثيف مساعيه للتنسيق مع الأطراف الفاعلة من أجل تحقيق السلام على أساس حل الدولتين.
التحديات التي تواجه الدولة كانت هي الأخرى حاضرة على رأس الأولويات التي تحدث بها جلالته والمتصلة بحماية أمن الوطن وسيادته الأمر الذي يعكس الالتزام العميق من قبل القيادة الهاشمية في تعزيز الأمن الوطني، وترسيخ قيم الاستقرار والأمان ذات الأولوية القصوى للحفاظ على الوطن ومقدراته، ولطالما أكد جلالته في مناسبات مماثلة أن أمن واستقرار الأردن فوق كل اعتبار، وأن "وعي مواطننا الأردني وانتمائه واعتزازه بهويته الوطنية الجامعة هو الأساس لحماية المصالح الوطنية العليا مما يعني أهمية تعزيز الإجماع الوطني والالتفاف حول الأولويات، في سبيل تمتين الوحدة الوطنية، والتي "تقف سداً منيعاً في وجه جميع التحديات.
رؤساء الحكومات السابقين بلا استثناء، كانت لكل صاحب دولة منهم، خصوصية معينة عندما تسلموا مهام أعمالهم بكتب تكليف سامية حدد فيها جلالة الملك خارطة طريق لعمل كل حكومة وفقًا للتطورات التي كانت تصاحب فترة تشكيل كل حكومة بمقاربات كانت النظرة الملكية فيها توازي بين الشأن المحلي والخارجي سواء بسواء، ولئن كنا نتحدث عن تحديات بارزة فإن رؤساء الحكومات يعلمون تمامًا أن الأردن قد مرّ بمثل هذه الظروف عبر مسيرته الخيرة، وربما بأصعب منها، ولكنه بفضل قيادته الحكيمة، وبجهود أبنائه المخلصين وعزائمهم الماضية، كان دائما يجتاز كل الشدائد والمحن، ويحقق الإنجازات العظيمة بأقل الموارد والإمكانيات.
يؤمن جلالة الملك بالحوار المنفتح على أقصى درجات المكاشفة والصراحة، وهو الواثق بخبرات ووجهات نظر رؤساء حكومته خلال ربع قرن من تسلمه سلطاته الدستورية، وهكذا يترجم ذلك على الواقع فتجده بين الحين والآخر يلتقي برؤساء الوزارات تارة وعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية والنيابية تارة أخرى ليحدد ملامح مرحلة من تاريخ الدولة ويستمع إلى آرائهم ووجهات نظرهم التي يقدرها الملك كونها تصب في سبيل الحفاظ على مصالح الوطن وحماية مقدراته ومنجزاته وتمكنه من مواجهة الأخطار التي قد تُحدقُ به من كل جانب جرّاء تمسكه بمواقف المشرفة التي لا يتراجع عنها مهما بلغ الثمن.