مع بدء اسدال الستار على ( حرب العامين في غزة ) بموافقة جميع الاطراف على مبادرة الرئيس ترامب ،، تؤكد رسائل ( الردع ) الخشنة، المتمثلة بالتحركات العسكرية الامريكية الاخيرة، ومنها وصول ١٨ طائرة ( ارضاع جوي ) والعديد من حاملات الطائرات والقطع البحرية الضخمة، الى منطقة الشرق الاوسط، واعلان واشنطن تحريك جزء من القوات الامريكية من العراق، والمحادثات والاجتماعات داخل اروقة (البنتاغون) وتصريحات وزير الدفاع الامريكي حول الاستعداد للحرب لصنع السلام،خلال لقائه ٨٠٠ ضابط امريكي، وتصريحات نتنياهو عن حروب العام القادم ( الذي بدأ قبل ايام وفقا لتقويم السنة العبرية ) ان المنطقة مقبلة على عمل عسكري ( اسرائيلي - امريكي مدعوم اوروبيا ) يجري التحضير له بروية وتمهل لضمان سُبل نجاحه.
هذا الفعل المرتقب ،سيكون ( في حال فشل الردع في الحصول على التنازلات ) موجها ضد ايران وحلفائها،في كل من اليمن والعراق ولبنان، وذلك لاستكمال وانهاء العمل الذي لم يُنجز خلال الاشهر الماضية، والمتمثل في تحييد إمكانات طهران النووية والصاروخية، وتقييد قدرات الحوثيين، واخراج حزب الله من معادلة وموازين القوى داخليا واقليميا،وانهاء النفوذ الايراني في العراق، وهو الامر الذي سيعيد توزيع موازين القوى في المنطقة.
ولاعطاء مبررات سياسية وامنية وصناعة رأي عام عالمي مُتقبًل لهذه الحرب المفترضة، تم التمهيد لذلك من خلال اتخاذ قرارات وخطوات وتصريحات ،تشكل ( منطلقا ) وتعطي المحور الامريكي - الاسرائيلي (مبررا ) للقيام باعمال عسكرية، تُضعف الى ابعد حد، او تنهي اي ( حالة تهديد ) قد يشكلها هولاء الخصوم مستقبلا لواشنطن وتل ابيب.
فالملف النووي الايراني وصل الى طريق مسدود، والعلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اسوأ حالاتها، والمقترح الروسي - الصيني سقط في مجلس الامن ، والعقوبات الاوروبية - الدولية على طهران استؤنفت، والهدنة بين الحوثيين وواشنطن توقفت، وانخراط الاتحاد الاوروبي في معاداة الحوثي دخل حيز التنفيذ، واصرار حزب الله على عدم نزع سلاحة، ذخًر البندقية ، تمهيدا لاطلاق النار، وتصنيف واشنطن لبعض التنظيمات العراقية ،على انها منظمات ارهابية، شكل الارضية لمهاجمتها، باعتبارها المقدمة لانهاء نفوذ طهران في بغداد.
وفي ظلال انشغال العالم بالتطورات المتسارعة على خطوط التماس بين روسيا واوروبا ،ولان المقدمات تقود الى النتائج ، وقياسا على المواجهات السابقة ،تؤكد ملامح المرحلة المقبلة، انها ستكون حُبلى بالتفاصيل والمفاجآت ،التي ستغيًر خرائط النفوذ ومراكز التأثير.
ورغم ان الهدف النهائي لهذه الحرب هو هزيمة مشروع ايران في المنطقة ،وتقليص اي حضور صيني - روسي مستقبلي فيها ،الا ان السؤال المطروح هو ، هل سيبدأ الاستهداف بطهران ام ببتر ( اذرع الاخطبوط ) في بيروت وصنعاء وبغداد ،ام بالتزامن على كل الجبهات ؟ ما هي ردود الفعل المتوقعة لهذه الاطراف ،وهل سيقوم الحوثيون تحديدا ( او يتم استدراجهم ) لتنفيذ ( عملية نوعية ) تشكل (مفاجأة ) وتطلق الشرارة التي ستُشعل كرة اللهب، ضد طهران ومحورها.
المفاجأة الحوثية - المتوقعة - ستأتي تحت عنوان ( الثأر ) من تل ابيب بسبب استهدافها المتكرر لهم،وربما تتمثل في توجيه ضربات موجعة لاسرائيل تؤدي الى سقوط عدد كبير من القتلى جراء هجمات صاروخية باليستية، أو بطائرات مسيّرة على أهداف مدنية او عسكرية داخل إسرائيل،او ضد احدى القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة،، وقد يلجأ الحوثيون إلى عملية نوعية اخرى ،مثل استهداف مدمرة حربية أمريكية بصاروخ كروز أو طائرات انتحارية مسيّرة في البحر الأحمر أو خليج عدن .
ومع ان قدرة الحوثيين البرية محصورة في اليمن، الا انه لا يُستبعد قيامهم بهجوم ( برمائي) جريء على جزيرة أو مرفق يتبع لإسرائيل أو الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وقد يحاول الحوثيون تنفيذ عملية كوماندوز بحرية ضد هدف مدني كسفينة تجارية ضخمة تخص اسرائيل، أو منشأة ملاحة تديرها شركة غربية ،او استهداف بحري لناقلات نفط ،لاحداث صدمة سياسية واعلامية.
وعلى جبهتي لبنان والعراق، واذا اتجهت الأمور نحو حرب إسرائيلية - إيرانية مفتوحة، سيبادر الحزب في سيناريو التصعيد إلى فتح جبهة شمال إسرائيل بقصف صاروخي مكثف يشغل الجيش الإسرائيلي عن جبهة اليمن - إيران.
وبالضرورة ستشهد الساحة العراقية تحركات انتقامية متبادلة على هامش الصراع،اذ ان الميليشيات العراقية الموالية لإيران ستطلق الصواريخ والطائرات المسيّرة على قواعد واشنطن في غرب وشمال العراق وشرق سوريا،وستتلقى ضربات موجعة من الطرف الاخر.
في نهاية المطاف،تؤكد حقائق (موازين القوى ) ان النتيجة محسومة سلفا، لصالح المحور الامريكي - الاسرائيلي، ولكن في البُعد (الاستراتيجي) للصراع فان الخاسر الفعلي هو الامن القومي العربي ،الذي سيفقد آخر ( اوراق الردع ) غير المباشر، حيث ستكون اسرائيل على المدى المنظور،هي صاحبة الكلمة ( الاولى والاخيرة ) في المنطقة.
theeb100@yaoo.com