وسائل التواصل الاجتماعي والعمل التطوعي طريق الأحياء الأردنية نحو بيئة أفضل
أ. د. هاني الضمور
05-10-2025 12:29 AM
في السنوات الأخيرة، أصبحت القضايا البيئية في الأردن أكثر إلحاحاً مع ازدياد الضغط السكاني وتوسع العمران وارتفاع معدلات النفايات والتحديات المرتبطة بالتغير المناخي وشح المياه. هذه التحديات لا تقتصر على الدولة أو المؤسسات الرسمية وحدها، بل تمتد لتشمل كل حي سكني وكل مجتمع محلي يشكل لبنة من لبنات الوطن. وفي خضم هذه التحولات، برزت وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فاعلة تتيح للأردنيين نشر الوعي البيئي وتنسيق الجهود التطوعية وتعزيز روح المسؤولية المشتركة، مما يجعلها وسيلة حقيقية لتغيير الواقع نحو الأفضل.
لقد وفرت هذه الوسائل مساحة مفتوحة للنقاش والتفاعل، فأصبح من الممكن لسكان حي واحد في عمّان أو إربد أو الزرقاء أن يتواصلوا عبر مجموعات واتساب أو صفحات فيسبوك لمناقشة قضايا بيئية مثل تراكم النفايات في الشوارع أو ضعف التشجير في الساحات العامة. ومن خلال هذه النقاشات، تتحول الأفكار إلى مبادرات عملية مثل تنظيم يوم جماعي لتنظيف الشوارع أو إطلاق حملة لجمع البلاستيك وإعادة تدويره. هذه المبادرات البسيطة عندما يتم توثيقها ونشرها على وسائل التواصل، تتحول إلى قصص ملهمة تدفع أحياء أخرى إلى تقليدها، فيتوسع نطاق التأثير من منطقة صغيرة إلى شبكة واسعة من المجتمعات المحلية.
ما يعزز هذا الدور بشكل أكبر هو تكامل وسائل التواصل مع العمل التطوعي التشاركي. فالثقافة التطوعية في الأردن متجذرة منذ زمن، سواء في صورها التقليدية مثل «العونة» أو في أشكالها الحديثة من خلال الجمعيات الشبابية والمبادرات الطلابية. واليوم، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون الجسر الذي يربط هذه الثقافة الأصيلة بالعمل البيئي المنظم. فعلى سبيل المثال، يمكن لمجموعة شبابية أن تطلق عبر فيسبوك حملة لزراعة الأشجار في حيها، وتدعو السكان للمشاركة، فتجد استجابة من عشرات المتطوعين الذين يوظفون وقتهم وجهدهم في خدمة مجتمعهم.
هذا النوع من العمل التشاركي لا يحقق فائدة بيئية فحسب، بل يعزز أيضاً العلاقات الاجتماعية بين السكان. إذ يشعر كل مشارك أنه ليس مجرد متفرج على المشكلات البيئية، بل هو جزء من الحل، وأن جهوده مهما كانت صغيرة تسهم في إحداث فرق. ومع تكرار مثل هذه المبادرات، يتشكل وعي جمعي بأن البيئة مسؤولية مشتركة لا يمكن تركها للحكومة أو البلديات وحدها، بل تحتاج إلى تضافر الجهود الشعبية والرسمية معاً.
إضافة إلى ذلك، يمكن للأحياء الأردنية أن تستفيد من وسائل التواصل لتطوير آليات للرقابة والمساءلة البيئية. فحين ينشر أحد السكان صورة لشارع مليء بالنفايات أو لتسرب مياه يضر بالبيئة، ويشاركها على منصة عامة، فإنها تتحول إلى مطلب جماعي يضغط على الجهات المعنية للتحرك بسرعة. هذا الدور الرقابي يعزز ثقة المواطن في قدرته على التأثير، ويجعل المسؤول أكثر التزاماً بالاستجابة.
ولا يقتصر الأمر على المبادرات الفردية، بل يمكن الجمعيات المحلية والمدارس والجامعات أن تدخل على الخط، مستفيدة من وسائل التواصل لربط جهودها بالمجتمع. فالمدارس تستطيع إشراك طلابها في حملات بيئية داخل الأحياء، وتوثيق هذه الأنشطة عبر الصور والمقاطع التي يتم تداولها على نطاق واسع. والجامعات بدورها يمكن أن تنظم أياماً تطوعية في الأحياء المجاورة، بحيث تتحول المعرفة الأكاديمية إلى عمل ملموس يلمسه المواطن العادي.
إن تعظيم هذا الدور يتطلب كذلك نشر ثقافة بيئية مستدامة عبر المحتوى الإلكتروني، بحيث لا يقتصر النشاط على المناسبات أو الحملات المؤقتة، بل يصبح سلوكاً يومياً. فوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تنشر نصائح مستمرة حول ترشيد استهلاك المياه في بلد يعاني من شح كبير فيها، أو حول إعادة استخدام المواد وتدويرها بما يتناسب مع طبيعة الحياة في الأردن. هذه الرسائل القصيرة والمتكررة تساهم في ترسيخ سلوكيات إيجابية تبقى على المدى الطويل.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الجمع بين وسائل التواصل الاجتماعي والعمل التطوعي التشاركي يمنح الأحياء السكنية في الأردن فرصة فريدة لإحداث تغيير حقيقي في بيئتها. فكل مبادرة ينظمها شباب أو سكان حي، وكل صورة توثق حملة تنظيف أو نشاط تشجير، وكل دعوة للتعاون يتم نشرها عبر الفضاء الرقمي، تتحول إلى لبنة في بناء ثقافة بيئية وطنية قائمة على المسؤولية الجماعية. ومع استمرار هذه الجهود، يصبح الحي أكثر نظافة واستدامة، ويتحول التطوع من نشاط موسمي إلى أسلوب حياة، وتصبح وسائل التواصل الاجتماعي شريكاً أساسياً في رحلة الأردن نحو مستقبل بيئي أفضل.
الدستور