"حين يتنفس القلب" – قراءة في دلالات العنوان
05-10-2025 12:54 PM
عمون - قراءة مصطفى القرنة - في روايتها حين يتنفس القلب، تضعنا الكاتبة رزان الرابي أمام عنوان مشحون بالدلالات الوجدانية والرمزية، عنوان لا يكتفي بالإشارة إلى مضمونٍ شعوري، بل يفتح بابًا واسعًا للتأويل والتساؤل حول معنى التنفّس، وارتباطه بالقلب، لا كعضو بيولوجي فحسب، بل كرمز للروح والنبض الإنساني والتجربة الداخلية العميقة.
العنوان يتجاوز كونه مفتاحًا تمهيديًا للنص، ليشكّل عتبة فكرية وشعرية في آنٍ معًا. فكلمة "حين" تحيل إلى لحظة فاصلة، زمنٍ خاطف يسبق التحول، أما عبارة "يتنفس القلب"، فتبدو كاستعارة لحدث شعوري نادر، كأن القلب لا يتنفس إلا عند الذروة: حبًا أو ألمًا أو خلاصًا. هذا الانزياح اللغوي يضفي على العنوان شاعرية عالية ويمنحه خصوصية مميزة، إذ ينسب فعل الحياة إلى مركز الإحساس، لا إلى مركز التنفّس.
منذ لحظة التلقي الأولى، يشعر القارئ أن العنوان يُبشّر برواية تسكنها المشاعر وتتحرك وفق نبض داخلي، لا وفق تسلسل زمني تقليدي. الرواية لا تُروى من الخارج، بل تُعاش من الداخل، وكأن الشخصيات لا تسرد حكاياتها، بل تهمس بها إلى قلب القارئ مباشرة. كل مشهد، وكل حوار، ينبثق من سؤال ضمني: متى يتنفس القلب؟ وهل يكون التنفّس هنا علامة حياة أم راية استسلام؟ أم لحظة صفاء بين خضمّ التقلّب والوجع؟
اختيار الكاتبة لهذا العنوان يدل على حساسية لغوية عالية، ووعي عميق بأهمية البوابة الأولى للنص. فالعنوان لا يقدّم نفسه شعارًا لافتًا فقط، بل يتماهى مع روح الرواية ويتغلغل في تفاصيلها، بحيث يمكن للقارئ بعد إنهاء القراءة أن يعود إلى العنوان ليكتشف فيه طبقات جديدة من المعنى.
وما يُحسب للرواية أنها تفي بوعد عنوانها. فالنص يفيض بلحظات إنسانية آسرة، وبمواقف تتأرجح بين الحنين والفقد، بين الرجاء والانكسار، مكتوبة بلغة رشيقة عذبة، تلامس القلب فعلًا وتمنحه فسحة للتنفس. هناك مشاهد تبدو كأنها كُتبت من نبض حيّ، وأخرى تُقرأ كما تُحسّ، حيث لا يكون السرد مجرّد نقل للأحداث، بل إعادة خلق للوجدان.
رزان الرابي تثبت في هذا العمل قدرتها على بناء نص ذي عمق شعوري وصدق فني، مستخدمة أدوات السرد بعناية، دون افتعال أو تكلّف. الرواية ليست فقط سردًا لحكاية، بل رحلة في دواخل النفس، تتجاوز الواقع لتلامس جوهر الإنسان. العنوان، بهذا المعنى، ليس مجرد اسم، بل مفتاح تأويلي، يعكس جوهر التجربة ويكثّفها في صورة واحدة: لحظة يتنفس فيها القلب أخيرًا، بعد طول احتباس.
حين يتنفس القلب هو عنوان لا يُنسى، لأنه يُشبه تنهيدة الفرج بعد اختناق طويل، ويختصر في لغته الشعرية سيرة شعورية كاملة. هو وعد صادق في قلب سرد إنساني، يجعل الرواية، بكل ما فيها من تفاصيل، تجربة حقيقية في الداخل، لا على السطح.