عن الدور الأردني في الحرب على غزة منذ عامين
أحمد الحوراني
06-10-2025 07:24 PM
قبل عامين من الآن بدأت الحرب على غزة فيما عُرف بالسابع من أكتوبر وانطلقت آلة الحرب الإسرائيلية تقتلُ وتُدمّر بلا هوادة في حرب كانت فيها الإبادة سيدة المشهد وعلى مرأى من العالم أجمع دون أن ترعى إسرائيل إلًّا ولا ذمة لا في الشيوخ ولا في النساء ولا الأطفال، وامتدت الاعتداءات لتشمل دور العبادة من المساجد والكنائس وطالت كذلك المستشفيات والمراكز الصحية وسط غطرسة وصل بها الحدّ إلى إيقاف ومنع وصول الإمدادات والمساعدات الغذائية للقطاع، فكانت الكارثة التي اتسعت دائرتها كما حذّر من ذلك جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من خطاب عندما كان يشيرُ إلى ذلك صراحة ويؤكد أن استمرار دوّامة العنف لن تقف آثاره عند حدود غزّة فقط معتبراً جلالته أن عواقب الحرب ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار في المنطقة برمّتها، كما كان الملك هو أول من وصف حملة القصف العنيفة الدائرة في غزة بقوله أنها( حملة شرسة ومرفوضة على مختلف المستويات).
من قبل ومن بعد السابع من أكتوبر كان الأردن بقيادة جلالة الملك أكثر من تحرك وقام بتوظيف عمقه الدولي وعلاقاته مع المجتمع الدولي ومع الدول العربية الشقيقة والصديقة، للتعبير عن الرفض القاطع للعدوان الهمجي الذي وصفه الملك بصفات ثلاثة بقوله بأنه انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني وأنه عقاب جماعي لسكان محاصرين لا حول لهم ولا قوة وأنه كذلك جريمة حرب، ولم يتغيب الأردن عن المشاركة الفاعلة في كافة المؤتمرات العربية والإسلامية والدولية التي انصب تأكيد جلالة الملك فيها على ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة، وحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية والوقود والغذاء والدواء بشكل مستدام ودون انقطاع إلى قطاع غزة، والرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين أو التسبب بنزوحهم، وأقتبس من كلمة جلالته في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول غزة التي استضافتها السعودية بتاريخ الحادي عشر من تشرين الأول 2023( ولا يمكن السكوت على ما يواجهه قطاع غزة من أوضاع كارثية تخنق الحياة وتمنع وصول العلاج. بل يجب أن تبقى الممرات الإنسانية مستدامة وآمنة، ولا يمكن القبول بمنع الغذاء والدواء والمياه والكهرباء عن أهل غزة، فهذا السلوك هو جريمة حرب يجب أن يدينها العالم).
ظلّ الأردن متمسكًا بمبادئه ومدافعًا عن وجهة نظره وطاف الملك العالم والتقى رؤساء الدول والمنظمات الدولية والسياسية ورجال الفكر والإعلام وشخصيات نيابية بارزة في الكونجرس والبرلمان الأوروبي، وما انفكت جهوده إلى اليوم مطالبًا بتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته لحقن دماء الأبرياء، وفي أكثر من مناسبة كان تفكير الملك ينمّ عن بُعد نظر ورؤية إنسانية بعيدة المدى بدليل قوله في كلمته في الجلسة الرئيسية لمؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة بتاريخ 11 حزيران 2024 (إن ضميرنا المشترك يتعرض للاختبار الآن بسبب الكارثة في غزة. إن إنسانيتنا ذاتها على المحك)، وكذلك قوله (إن أهل غزة لا يتطلعون إلينا من أجل الكلام المنمق والخطابات، بل إنهم يريدون إجراءات فعلية على أرض الواقع، وهم بحاجة لذلك الآن).
ومثلما لم يتوقف الأردن عن حراكه السياسي والدبلوماسي المكثّف لنصرة الأهل في غزة، فقد كان للجانب الإنساني حضور واسع النطاق، من خلال قوافل الإمدادات الغذائية التي شارك فيها الملك نفسه وسمو ولي العهد والأمراء وكافة أطياف الشعب الأردني فضلًا عن المستشفيات التي استمرت بالعمل في معالجة المصابين رغم الضغوطات التي تعرضت إليها طواقمها الطبية والإدارية جرّاء القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف، وكل ذلك كان تأكيدًا على الحقيقة التاريخية المطلقة التي برهنت عليها الأحداث بأن الشعب الأردني هو الأقرب لنبض شقيقه الفلسطيني وأنه يقوم بواجبه الإنساني دون أن ينتظر أجرًا أو مقابلًا على ذلك.
حضور ودور أردني كبير في المحافل السياسية الدولية والإسلامية والعربية، ومحادثات أردنية لم تتوقف منذ اندلاع شرارة الحرب، وأختم بقول جلالة الملك بكل ما فيه من إشارات ودلالات (لا يمكننا أن نتخلى عن غزة، فيجب أن تكون أولوية الجميع. التاريخ سيحكم علينا من خلال أفعالنا. إنه اختبار لإنسانيتنا وإخلاصنا).