مازن الفراية .. مبادرة إنسانية قبل أن تكون رسمية
محمد علي الزعبي
09-10-2025 01:21 PM
منذ أن طرح معالي وزير الداخلية مازن الفراية مبادرته الاجتماعية الهادفة إلى التخفيف عن المواطنين في مناسبات الفرح والعزاء، استوقفتني الفكرة بعمقها الإنساني وصدق نبرتها. لم أشعر أن الفراية يتحدث كوزير يملي توجيهات من مكتبه، بل كمواطن أردني يرى بعينه ما يعانيه الناس، ويشعر بقلوبهم التي أثقلتها تكاليف الحياة وضغوط المجاملة الاجتماعية.
لقد جاءت مبادرته من رحم المعاناة الشعبية، ومن إدراك واقعي بأن كثيرًا من العادات والتقاليد الجميلة تحولت مع مرور الوقت إلى عبء قاسٍ على الأسر. أفراح تُدار بالدين، وعزاءات تُرهق أصحابها بالمظاهر والتكاليف، ومجتمع بات يُقاس بالإنفاق لا بالمودة. لذلك، فإن صوت الفراية لم يكن تنظيرًا، بل صرخة وعي وطنية تدعو إلى مراجعة سلوكنا الجمعي واستعادة بساطة الأردنيين التي ميّزتنا عبر الأجيال.
إنّ ما يميز هذه المبادرة أنها لم تُفرض من موقع السلطة، بل خرجت من وجدان المسؤول الإنسان. هي فكرة تستند إلى قناعة بأن التغيير يبدأ من الناس أنفسهم، لا من الأوامر أو القوانين. ومن هنا، فإنها تمثل نموذجًا راقيًا في ممارسة المسؤولية الأخلاقية والوطنية، حين يستخدم الوزير موقعه ليعبّر عن وجع الناس لا ليزيد من أعبائهم.
إنني أرى في مبادرة الفراية تحولًا في فلسفة العمل العام، لأنها تضع الإصلاح الاجتماعي ضمن أولويات الدولة الحديثة، وتعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة المشاركة والتفهم. فالمسؤول الحقيقي، كما جسده الفراية، هو من يُصغي لهموم الناس ويدافع عن كرامتهم في تفاصيل حياتهم اليومية.
وفي الختام، أقولها بوضوح: هذه المبادرة تستحق كل الدعم والتبني، لأنها لا تمسّ المظاهر فقط، بل تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية. مازن الفراية لم يتحدث عن عبء اجتماعي فحسب، بل عن إصلاح ثقافي يعيد بناء وعي المجتمع، ويفتح الباب أمام قيمٍ راقية من الاعتدال والتكافل. الدفاع عن مثل هذه المبادرات هو دفاع عن وعي وطني نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، فهي مبادرة من القلب إلى القلب، ومن المواطن إلى الوطن.