facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غياب الحقيقة بين الصورة والنص: أزمة وعي في زمن الأزمات


لانا ارناؤوط
10-10-2025 03:06 AM

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، لم تعد الحقيقة واضحة كما كانت، بل أصبحت ضبابية تتوارى خلف شاشة، أو تُختصر في جملة متسرعة أو صورة منتقاة بعناية بين النص الذي يُكتب والصورة التي تُنشر، تضيع الحقيقة ويُعاد تشكيلها وفق ما يخدم اتجاهًا سياسيًا أو يبرر موقفًا أو يثير عاطفة جماعية لقد دخلنا زمن “إدارة الإدراك” لا “نقل الحقائق”، وأصبحت الأزمة لا تكمن فقط في الحدث، بل في كيفية روايته.

في المشهد السياسي الراهن، تتبدى هذه الإشكالية بوضوح صور الضحايا والمآسي تُستخدم كسلاح إعلامي، تُبث في توقيت محسوب لتوجيه الرأي العام، بينما النصوص المرافقة لها تُعيد صياغة الوعي الجمعي لم تعد الصور تُوثّق، بل تُنتج؛ ولم يعد النص يشرح، بل يُؤطر وهنا تتشكل فجوة بين ما يحدث فعلاً، وما يُقدَّم للجمهور على أنه الحقيقة.

في إدارة الأزمات، هذه الفجوة تصبح خطرة فالتعامل مع الأزمات – سواء كانت سياسية أو إنسانية أو أمنية – يعتمد على المعلومة الدقيقة والقراءة الواعية للسياق وعندما تُشوَّه الحقيقة بفعل الصورة المضللة أو النص الانتقائي، تُبنى قرارات مغلوطة، وتتحول الأزمة من موقف يمكن احتواؤه إلى صراع يصعب السيطرة عليه إن إدارة الأزمة في ظل التضليل الإعلامي تشبه محاولة إخماد حريق باستخدام دخانٍ آخر.

اليوم، تبرز الحاجة إلى نوع جديد من الوعي: وعي بصري ونصي قادر على قراءة ما وراء الصورة، وتحليل ما بين السطور فالصورة قد تُثير التعاطف، لكنها قد تُخفي خيوط التلاعب، والنص قد يبدو منطقيًا لكنه يحمل في طياته انحيازًا سياسيًا أو توجيهًا خفيًا ، هنا يأتي دور الإعلام المسؤول، القادر على الموازنة بين الحق في نقل الحدث، والواجب في تحرّي الحقيقة الإعلامي الحقيقي ليس من ينقل ما يُرى، بل من يُعيد للعقل حقه في التساؤل، ويُذكّر الناس بأن الحقيقة ليست بالضرورة ما يُعرض أمامهم، بل ما يُخفى عنهم.

لكن مسؤولية توضيح هذه الرؤية لا تقع على عاتق الإعلام وحده، بل تمتد إلى الأفراد والمختصين في مجالات الفكر والتربية والإعلام والتحليل السياسي فالمجتمعات التي تغيب فيها الحقيقة لا تُنقذها الشاشات، بل العقول الواعية من واجب الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين أن يُسهموا في كشف أدوات التضليل، وتفكيك الرسائل الخفية في النصوص والصور، وأن يُعيدوا للناس ثقتهم بقدرتهم على التمييز بين ما يُراد لهم أن يصدقوه وما هو واقع فعلًا كما أن للأفراد دورًا لا يقل أهمية في التحقق والتفكير النقدي، وعدم الانجرار خلف الموجة الأولى من الانفعال، لأن وعي المواطن أصبح اليوم جزءًا من منظومة إدارة الأزمات، وعنصرًا حاسمًا في استقرار المجتمعات وتماسكها.

في النهاية، غياب الحقيقة بين الصورة والنص ليس فقط أزمة إعلامية، بل أزمة وعي إنساني فإذا لم نمتلك أدوات نقد الخطاب البصري والنصي، سنبقى نعيش في ظلال روايات الآخرين، نُقاد بالعاطفة، ونُصنع كجماهير لا كعقول.

وإدارة الأزمات الحقيقية تبدأ من استعادة الحقيقة نفسها؛ فالأزمة التي تُدار بالمعلومة المضللة تُنجب أزمات أكبر، أما تلك التي تُدار بالصدق فتنتهي بإصلاحٍ لا بانقسام.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :