facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المعاناة الإنسانية للرهائن وأهل غزة ايقظت ضمير العالم


م. وائل سامي السماعين
12-10-2025 08:11 AM

في الحروب، لا يُقاس النصر بعدد الصواريخ ولا بعدد القتلى، بل بقدرة الإنسان على أن يبقى إنسانًا وسط الجنون. وفي حرب غزة الأخيرة، لم ينتصر أحد؛ فقد خسرت حماس والجيش الإسرائيلي معركة الأخلاق، بينما ربحت غزة ضمير العالم.

منذ السابع من أكتوبر، اهتزّ الضمير الإنساني أمام مشاهد صادمة حين ارتكبت حركة حماس جريمة بشعة بحق المدنيين الإسرائيليين، استهدفت الأطفال والنساء والعزّل بوحشية أدانها العالم أجمع، بما في ذلك العرب والمسلمون. كانت تلك الجريمة صفعة أخلاقية أسقطت كل مبررات العنف باسم المقاومة، لأن المقاومة الحقيقية لا تكون بقتل الأبرياء.

لكن الرد الإسرائيلي لم يكن أقل وحشية، إذ تحوّلت غزة إلى مأساة إنسانية مفتوحة: قصف متواصل، حصار خانق، مستشفيات بلا دواء، وأطفال ينامون على الركام. لقد خسر الجيش الإسرائيلي بدوره معركة القيم، حين جعل من القوة غاية ومن العقاب الجماعي وسيلة، حتى غابت الحدود بين الحرب والدمار.

والمؤلم أكثر أن هناك من يبرّر الفظائع من الجانبين. فمنهم من يرى أن ما قامت به حماس “أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة”، وكأن الوحشية يمكن أن تكون طريقًا للعدالة! وهذا التبرير لا يُسقط فقط أخلاق الفعل، بل يُمهّد لتبرير وحشية ردّة الفعل الإسرائيلية أيضًا، فيتساوى القاتل والمقتول في تبرير الألم، وتُختطف القضية من جوهرها الإنساني وتُغرق في دوّامة الكراهية والانتقام.

وما يبعث على الأسى أن بعض الكتّاب والنخب ما زالوا يبرّرون مقتل سبعين ألف غزّي بوصفه “ثمنًا مستحقًا” لتحرير الأرض، وكأنهم يقولون للموت ولآلة الدمار: امضيا فوق القيم الإنسانية، فالحروب تبرّر كل شيء! ذلك هو السقوط الأخلاقي الأكبر، حين تتحوّل المأساة إلى نظرية، والدم إلى خطاب تبريري بارد. فبينما استيقظ ضمير العالم على صرخة الألم الإنساني، ما زال ضمير هؤلاء غارقًا في سباته العميق، غير قادر على إدراك أن أي قضية تفقد معناها حين تفقد إنسانيتها.

لقد أثبتت هذه الحرب أن الإنسانية وحدها هي التي بقيت واقفة وسط الدمار. فقد تعاطف العالم مع الرهائن وأُسرهم كما تعاطف مع أطفال غزة، لأن الضمير الإنساني لا يعرف الاصطفاف. فالألم لا هوية له، والرحمة لا تُجزأ، ومن ينحاز حقًا إلى العدالة يجب أن يكون منحازًا أولًا للإنسان، لا للشعار ولا للراية.

لا يجوز إنكار فظاعة ما تعرّض له الشعب اليهودي في الهولوكوست، كما لا يجوز وصف الفلسطينيين بأنهم جماعات وحشية أو إرهابية. فالعدالة الحقيقية لا تقوم على الانتقام، بل على قيم إنسانية موحّدة لا تتبدّل بتبدّل الأطراف. فالمقاومة لا تبرّر إيقاع الألم بالآخرين، والدفاع عن النفس لا يبرّر قتل الأبرياء أو تدمير المدن.

أما الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ودعمت حلّ الدولتين، فإنما فعلت ذلك تعبيرًا عن ضميرٍ إنساني عالمي يسعى إلى العدالة والكرامة لكل الشعوب، دون أن يعني ذلك القبول بنهج التطرف أو الكراهية. في النهاية، لم ينتصر أحد في غزة إلا الإنسانية.هي التي خرجت من بين الدمار لتذكّر العالم بأن الإنسان هو الغاية، لا الوسيلة.

فمن يدّعي النصر أو الهزيمة على الآخر، فهذا سقوطٌ أخلاقيٌّ مدوٍّ، لأن النصر الحقيقي لا يُقاس بالخراب، بل بقدرتنا على البقاء بشرًا في وجه القسوة.

ولهذا، ستكون لنا وقفة أخرى في مقالٍ قادم حول كيفية تحقيق حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم؛ فالأرضية باتت موجودة، لكن الوصول إلى الدولة يتطلّب تغييرًا جوهريًا في الفكر والنهج، حتى يتحوّل التعاطف الإنساني إلى مشروع سياسي واقعي يُعيد للإنسان مكانته فوق الأرض التي تستحق الحياة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :