استوقفني فيديو مسجّل للإعلامي هاشم الخالدي، مؤسس وكالة سرايا الإخبارية، بعنوان حين يستيقظ الضمير الإنساني، ونحن اليوم علينا أن نردّ بكل ضمير، فالضمير، في منظور الواقع الذي نعيشه يوميًا، يبدو أنه قد غفا طويلاً، وكأن لا نية له في الصحوة.
عن أيّ ضميرٍ نتحدث، والكثير يعاني من الظلم الواقع عليه، عن أيّ ضميرٍ نتحدث، ونحن نتجرع الألم في واقعٍ أصبح الجميع يدفع ثمنه باهظًا من أجل أن يستيقظ صباحًا ليبحث عن حقه في الحياة.
اليوم أصبحنا نعاني من واقع حياتنا اليومية، وأصبح الظلم الطريق السهل الذي يلجأ إليه القوي ضد الضعيف، أين ذهبت أقوال الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال بأن الإنسان أغلى ما نملك، وأين ذهبت توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، التي تحثّ الجميع على الاستماع لمشاكل أبناء الوطن، الكثير اليوم يشكو من الطبقات البرجوازية في هذا الوطن التي اتبعت طريقًا مختلفًا عن طريقنا، ويشكو من فقدان الضمير الإنساني الذي أصبح يُفسَّر حسب المكانة الاجتماعية والاقتصادية للفرد، كما نرى اليوم ازدياد حالات الجريمة في المجتمع بسبب البطالة، دون أي تدخل حقيقي لوقفها، وأصبحت المعاناة تخص الجميع.
في موقفٍ استوقفني أيضًا الأسبوع الماضي في محافظة الكرك، كنت أمرّ بأحد الشوارع حوالي الساعة 11:45 مساءً، ورأيت مجموعة من الشباب يعملون في إحدى المؤسسات الخدمية، وكما هي طبيعة عملي كموظف عقودٍ براتبٍ يشبه رواتب هؤلاء الشبان، كنت أتجول بسيارة حكومية.
أثناء مرورنا بالطريق العام، لمحنا أحد هؤلاء الشبان وقد بدا عليه التعب الشديد، وعندما رأى السيارة الحكومية توقّف فجأة، بدا أنه خاف من أن تكون السيارة تابعة لمؤسسته، عندها تأكد لنا أن الخوف لم يكن من أيّ استجوابٍ رسمي، بل من احتمال خصم جزءٍ من راتبه الذي لا يتجاوز 290 دينارًا، وهو راتب بسيط لا يغطي أحيانًا متطلبات حياتنا الأساسية.
هذا المشهد ترك أثرًا عميقًا في نفسي، فقد بدا واضحًا أن هؤلاء الشباب لا يعملون فقط لكسب رزقهم، بل يتحملون مشقة الليل والتعب الجسدي بصمت، خوفًا من أيّ عقوبةٍ قد تضرّ براتبهم الضئيل، وبينما كنت أشاهدهم، شعرت بعمق المسؤولية المفقودة تجاهنا كموظفي عقودٍ، الذين يكدّون بلا كللٍ لضمان نظافة شوارعنا وخدماتنا الأساسية، في حين تبقى حياتهم وحقوقهم في كثيرٍ من الأحيان غائبةً عن الاهتمام.
هل سيصحو الضمير يومًا ليُنصف هؤلاء الشباب الذين يعملون بعقودٍ مؤقتة في العديد من مؤسسات الدولة، وهل سيمنحهم حقّ العامل الثابت الذي يتيح لهم بناء بيتٍ وأسرةٍ، والحصول على تأمينٍ صحي يوفر لهم الأمان بعد الله، بصراحة، لا أظن أننا سنشهد يومًا تُصان فيه حقوقهم كما يجب، هؤلاء الشباب، رغم تعبهم وجهدهم، يعيشون في حالةٍ من القلق الدائم على لقمة عيشهم ومستقبلهم، فلا يطمئنون إلى غدهم، ولا يشعرون بالأمان في حياتهم العملية، ومثل هذا الواقع يفرض علينا جميعًا أن نعيد النظر في سياسات العمل المؤقت والحقوق المغيّبة لهؤلاء العمال، لنمنحهم الكرامة التي يستحقونها، ولنبنِ مجتمعًا يقدّر جهدهم ويكفل لهم حياةً مستقرة وآمنة.
الأوطان لم يبنها ولن يدافع عنها سوى الفقراء، الأغنياء، حين يشعرون بالقلق، لن تراهم يفدون أبناءهم للوطن، بل سيحملون حقائبهم ويغادرون أرضه خوفًا على أنفسهم، سيدفع الفقراء ثمن وطنيتهم، ولن يحرك الأغنياء ضميرهم إلا عند فقدان المميزات التي كانت تُقدَّم لهم،
نحن مع الدولة، ومع قائد الوطن الذي نفديه بالغالي والنفيس، والجميع يرى تضحيات أبنائه من أجل أن يبقى الوطن منارةً للأمن والأمان، جميعنا شهد الأحداث السابقة التي عصفت بالوطن، وكان أبناؤه السياج الراسخ للوقوف في وجه الإرهاب، فأعداء الوطن ليسوا فقط من يريدون بالأردن سوءًا، بل أيضًا من يحارب أبناءه من خلال مناصبهم.
لكن أصبحنا لا نأمل بأن يصحو الضمير يومًا، بل سيبقى أملنا مفقودًا بلا رجعة، سيبقى أملنا الوحيد أن يأتي الصباح ولا نشكو فيه أيّ وجعٍ جسدي، لأن الوجع يستغلنا بلا علاج، إذ أصبح العلاج فئةً من فئات الضمير المفقود الذي لا يملكه الكثير منا، كالتأمين الصحي تمامًا، الذي لن تجده حين يحاربك جسدك وأنت لا تملك التأمين ولا حتى ثمن كشفية الطبيب الخاص الذي سيخوض المعركة معك.
نسأل الله أن يحفظ وطننا العزيز وقيادته الحكيمة، ويرعى أمنه واستقراره، ويبارك في جهود من يخدمونه بإخلاص.