كنت البارحة جالسًا عند صديقي، ولمحت على "الحِذاء المنزلي" عبارة صغيرة مكتوب عليها Los Angeles. للحظة، شعرت بانقباض داخلي، وبدأت الأسئلة تدور في رأسي: كيف يمكن أن يُكتب اسم مدينة أجنبية على شيء يُلبس في القدم؟ أليست هذه إهانة؟ ثم سرعان ما ضحكت من نفسي. لماذا أصلاً خطر لي هذا الشعور؟
هكذا نحن العرب — أو كثيرٌ منّا — نحمل حساسيات مفرطة تجاه كل شيء ، وحتى الكلمات العادية. نغضب إن رأينا سجادة مكتوبًا عليها اسم دولة، أو كرة قدم تحمل شيء معينًا منّا، نثور إذا كُتبت كلمة هنا أو هناك ، نحن نرى في كل رمزٍ تهديدًا، وفي كل تفصيلٍ صغير استفزازًا، وكأنّ هويتنا هشة تحتاج دائمًا إلى حماية.
لكن المفارقة أنّ هذه الحساسية لا ترافقها غيرة حقيقية على الوطن أو سعي لرفعته. نحن نحافظ على صورة رمزية للوطن، لا على جوهره. نغضب إن رأينا علم بلدنا مقلوبًا، لكن لا نغضب حين نرى فسادًا يلتهم مؤسساته. ننتفض لأن اسم مدينة كُتب على حذاء، لكن لا نتحرك لنصنع نحن حذاءً بعلامة عربية تنافس في الأسواق.
في المقابل، حين تنظر إلى الشعوب الغربية، تكتشف فرقًا جوهريًا: هم لا يتحسسون من الرموز، لأنهم واثقون منها. يمكن أن ترى علم بلدهم على ملابس نوم أو أكواب قهوة أو حتى على ممسحة باب، ولن يشعر أحد بالإهانة، لأنهم يعرفون أن قيمة الوطن لا تتحدد بمكان طباعة اسمه، بل بقوة حضوره في العالم، بإنجازاته، باحترام الآخرين له.
إنّ الأجنبي الذي يكتب اسم بلده على كل شيء، لا يفعل ذلك تملقًا، بل فخرًا. هو يؤمن أنه يخدم بلده حين يعمل بإخلاص، حين ينتج، حين يحسن صورته في الخارج ، يتعبرها بدقيق العبارة _تسويقًا.
أما نحن، فنتحدث كثيرًا عن "الكرامة" ، لكننا نادراً ما نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا فعلاً لرفع شأن أوطاننا؟
الحساسية الزائدة ليست وطنية، بل ضعفًا في الثقة. من يثق ببلده، لا يخاف على صورته من حروفٍ مطبوعة على نعلٍ منزلي. من يحب وطنه، لا يكتفي بحمايته من الإهانة، بل يصنع له مجدًا جديدًا.
ربما آن الأوان أن نخفف من حساسيتنا تجاه الرموز، ونزيد حساسيتنا تجاه ما هو أهم: العمل، العلم، الإبداع، والصدق. فالحب الحقيقي للوطن لا يُقاس بكم مرة غضبنا من أجله، بل بكم مرة جعلناه فخورًا بنا.
لا اكتب هذا المقال دعوة لكتابة و طباعة أي رمز على أي شيء ، لكن لتوضيح الفرق بين العاطفة و العمل الحقيقي ، بين السعي لرفعة الوطن و الركض نحو الصورة التي زيّفناها بأيدينا...