facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الفهد الريماوي .. شيخ الكار


أحمد سلامة
17-10-2025 01:18 PM

لو زعمت أنني محايد تجاه شخصية الأستاذ فهد الريماوي، أكون غير موضوعي وموارب.

فالأستاذ فهد عندي: هو العم الذي أكرمنا الله سبحانه بعلم عمه الأستاذ الشيخ أحمد الريماوي، شيخ العلم في العهد العثماني، والذي تشرف والدي أن بلغ (الختمة بين يديه).

كان آل الريماوي في تراثنا النفسي، هم أساتذة علم وبحر من وطنية، وكذلك توطدت العلاقة بين العشيرتين، آل الريماوي وآل سلامة، في صورة تحالف وطيد في التصدي للمشاريع اليهودية مبكراً.

كان ذلك أول الحب.

وعلى حواف أواخر السبعينيات، حين قدَّمني المعلم الأستاذ محمود الكايد (أبو العزم) إلى الأستاذ فهد الريماوي ذات ليلة في مكتبه بالرأي، وكانت إبان ذلك توصف من قرائها بـ (الغراء).

سألني الغالي أبو المظفر، "أحمد أنت من وين؟"

قلت له: "من بديا!"

قال لي: "يعني أنت من جماعة الدكتور رفعت؟!"

أجبته بمباهاة واعتداد: "أبو غازي بكون عمي وزعيمي!!"

فأكمل أبو عزمي قبل أن يرد الأستاذ فهد: "الدكتور رفعت من عَيَّن أحمد في الرأي."

أفرج الأستاذ أبو المظفر عن ابتسامة حميمة، ودافئة، وأضحى منذ تلك اللحظة العم والأستاذ والأخ الكبير أطال الله في عمره.

.. ولم يُفسد تفاوت نظرتنا لأداة التعبير عن عروبته الناصرية المتزمتة، بنظرتي المستندة إلى مشروع النهضة العربية، أيَّ حب أو تقدير.

كان الأستاذ الفهد .. أستاذ المقال الطويل الذي يتجاوز الخاطرة ويُلقي بشرره كالقصر، فوق خصوم العروبة وأعدائها، قد أثَّر على أسلوبي الكتابي، وكان واحداً من أهم عناصر التكوين المهني عندي. كان المرحوم جورج حداد الكاتب الفذ، والأستاذ فهد الريماوي ممن أثر عليَّ في تبني مشروع المقالة الناجزة ولم ألتفت طوال حياتي إلى (مفهوم الخاطرة).

.. في حمرة وجهه المتدفقة بالحب والجمال وجدت فيها جذراً وتفسيراً لتشابه البشرات، وأنستُ إلى التفسير المليح (أن زيت الزيتون المتدفق من الشجر الدَّهري في بيت ريما وبديا) هو المسؤول عن هذا الأُنس في ملاحة وجه أبي المظفر.

كان يكتب مقالة في (السبعة الطيبة) كما كان يصفها (سبع أيام)، مقالة المنى، وتشاء الأقدار أن أحلَّ فيها كاتباً بعد لَأيٍ من السنين.

وكانت مقالة أبي المظفر، تحريضية، نارية، قاصفة، والمحبون والمخاصمون لفكره ينتظرون ما سيقوله كل أسبوع.

كانت حروفه غاية في التعبير الرمزي حيناً والمباشرة حيناً آخر، ولقد اختطَّ له مدرسة في الكتابة خاصة به، كالمازني، والتابعي، وهيكل، وأحمد بهاء الدين، وطلال سلمان، تخصه وحده، ولم يستطع أحد في هذا البر الشامي (الأردن وفلسطين) من محاكاة طريقة الأستاذ فهد في التعبير بتطويع (الجناس والطباق) للسياسة، والجملة الغنائية الثائرة، والترقيم العتيد، والإلحاح بالإقناع بالإطالة التي تشدُّك وتُجنبك الملل، والاستناد إلى مخزون في التاريخ عميق وكثيف، وأيضاً يُجلِّل كل ذلك موقفاً قومياً عروبياً لا يَحيد قيد أنملة على اعتبار عبد الناصر مُنشئ الفكرة القومية الحديثة!

بهذه الصرامة، ومن غير تجهم في حروفه، مضى أبو المظفر إلى فكرة تأسيس صحيفته الأسبوعية، (المجد)، وأحسب أنها قد انبثقت من مكتبه الرابض على مدخل جبل الحسين، في طابق أرضي يستمد بهجته من ساكنه، ويعلو مكتبه بكل تحد ومودة صورة لجمال عبد الناصر، ولا أتذكر أن مكتبه قد توفر على صور أخرى.

كانت تلك الصورة تهب الزائر مفتاح شخصية (المُعَزِّب) دون عناء من الشرح.. هو يستظل ويتفيأ ظل القائد التاريخي من وحي قناعاته.

.. ثم انتقل إلى مقره الذي صار يُشبه الأبد في مدخل (الرابية) حيث دُشنت المجد، وأحسب أنها كانت مقر صحيفة وملتقى فكري لمختلف المشارب والمذاهب. فمن المرحوم محمد السقاف (أبو خالد)، إلى معالي العم الغالي الدكتور هاني الخصاونة، إلى العين أبو خوام (محمد الشوابكة)، إلى رهط كبير من الكتاب والصحفيين كانوا يرتادون مطلع الرابية، ليتنسموا نسمات أبي المظفر.

وصمدت المجد رغم كثرة الإغلاقات والعقوبات، لكنني أُقرر شهادة للتاريخ أنها ما لانت لها قناة وظلت تَشمخ من شموخ صاحبها.

وأسست حالة من صحافة مهنية خلوقة راقية، لم يستطع أحد استرجاعها أو محاكاتها، وظلت مقالة صاحبها وراعيها جوهرة العقد التي تحمل وترفع (المجد) إلى (المجد).

.. ذات ضحى أردني صعب، حين تصير مسننات الدولة تَصطك ببعضها لسبب أن بعض الذين تُسند إليهم مهمة المسؤولية الوطنية، يختطفونها لمصالح ذاتية ضيقة وتصير أمزجتهم قرارات تُؤذي الناس.

لكن على رأي السياسي الأردني الدافئ الحكيم دولة أبو ثامر (أحمد عبيدات، حماه الله) يقول: "في رب"! رب العزة يُمْهل لكن لا تضيع عنده حسنات ولا يتغاضى عن الموبقات.

في ذلك الضحى من أعوام التسعينيات المتقلبة حد الحزن، حين افتُتحت بطلعة صدام المجيدة رحمه الله، وقبل أن ندرك المنتصف كان رابين ضيف ننتظر قدومه، واختُتم المشهد بتلك الجنائزية التي لم يعرفها القرن، كان قرار جلالة الحسين تلبية أمر الله سبحانه الالتحاق بجوار رحمة خالقه.

كان عقد التسعينيات من أعقد العقود وأشدها قسوة على أمة العرب وترك جراحاته النازفة فينا إلى الآن.

العولمة، وبروفة التخلص من العروبة في دك عنق بغداد، وأوسلو، وتحالف سوريا ومصر ضد العراق وهكذا.. كانت التسعينيات أول الانقضاض الأوروبي الأمريكي على العرب، بإصرار على توكيد الثأر الغربي من الحروب الصليبية.

في إحدى تلك الأيام، وكان جلالة الحسين في سفر، وسمو الأمير الحسن حفظه الله نائباً للملك، وإذ بصحيفة المجد تنشر مقابلة منسوبة لدولة الأستاذ أحمد عبيدات، وفيها قول لا يصح لعاقل أن يقبله. المهم أن الكون كله قد حَمِيَ وَطِيسُه، وأضحت القصة الأردنية كما هي العادة تلك المقابلة.

.. أشهد الله بعد مرور تلك السنين على تلك الحادثة، أن الأمير الحسن، قد أوتي حكمة وصبراً ووطنية، تُسجل في سفره النبيل، وعالج تلك الحادثة بأسمى ما يكون عليه خُلُق الحاكم.

كنت بحكم عملي في تلك الأيام في قلب القلب من القصة. ولقد أمرني الحسن، أن أتصل بالأستاذ أبي المظفر، لأستفسر منه، كيف يَنشر مادة صحفية على لسان رجل دولة دون أن يسأله إن ما نُسب إليه من قول مُرسَل؟!

وبالفعل، بحضور الأمير الحسن والمرحوم ميشيل حمارنة، أجريت اتصالاً من المقر السامي، بالأستاذ المحترم أبي المظفر وسألته.

قال لي: "والله يا أحمد اجتهدت بتلخيص المادة ونشرها وأردت أن أُنَفِّسها لأنها ستأتي من بعيد وتصبح مادة سرية يُقبِل عليها الناس."

ولما نقلت له رغبة الأمير الحسن بأنه كان الأولى أن يتصل بصاحب الشأن قبل النشر ويسأله؟!

صَفَنَ أبو المظفر صَفْنَة مهنية وأجاب: "والله هذي فاتتني وحقكم علي، لكنها في باب الاجتهاد."

.. انتهت المكالمة.

وقال سيدي حسن: "الله يسامحه أبو المظفر، طيب هذا الرجل محترم ويساري، وما بلاحق الصحافة غير الملتزمة ليش ما عملها كان ريَّحنا من كل هالقصة."

مضت الحكاية في أُطُرها الأخلاقية والرفيعة المستوى وانتهت، وكل ذلك بحكمة مَن علَّمنا الوطنية والعروبة والمهنة، الأمير الحسن.

كانت صَفْنَة أبي المظفر، تشي أن هذا الختيار النبيل ابن الأصل ظل على مهنيته وخلقه.

كان فهد الريماوي أستاذ مهنة وسيد الموقف القومي اليَعرُبي.

ولم يَبخل عليَّ بأي دعم أو مساندة يرى أنني أحتاجها.

ذات مرة ناداني وكانت هي الأولى لزيارته في عَرينه بالرابية.

قال لي: "أنا لا أسمح لك أن تغضب دولة أبو نشأت، فهو كبيرنا ورجل دولة مستقيم."

كان بعض أبناء الحلال كما جرت العادة قد اخترقوا بعض الفراغات التي تطرأ أحياناً بين أهل الريف وأهل المدن، وليس لأخلاق أبي نشأت أي دخل في ذلك.

قال أبو المظفر بحسم: "سأصطحبك ولا أُحب أن أسمع شيئاً من العتب لمنزل دولة أبي نشأت ونفضَّ السامر."

أذعنت برغبة التلميذ لشيخه وقلت له: "بأمركم سيدي."

وأخذني إلى عبدون المقر العذب، دارة السيد المحترم أبي نشأت، وأنهى الأمر.

ما قصدتُ به في هذا المثل أن (أبا المظفر) لا يهمه فوارق الاختلاف في السياسة، بل إنه متشبث بمنظومة الأخلاق بين الناس، وهو مُصلح لذات البين ويمنح الناس حق قدرهم.

أدعو الله أن يُمِدَّ في عمر أبي المظفر أكثر وأكثر وأن يَهبه الصحة والعافية.

فهذه المهنة قد خسرت أغلب فرسانها الكبار، ولم يتبق سواه، من سيوف العرب، شامخاً باذخاً مُعتزاً بعروبته، ظل يعلمنا كيف تُلغى المسافة بين الناس لمصلحة الأمة.

رحل جمعة حماد، وأمين شنار، وجورج حداد، وكمال كيلاني، وصلاح عبد الصمد، ومحمود الكايد، وحسن التل. وغيرهم كثير عليهم رحمة الله أجمعين.

وبقي الذي يُدفئ القلوب ويَشحن العقول، إنه الأستاذ والمعلم والعم، إنه فهد الريماوي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :