facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين عمّان والفاتيكان


فيصل سلايطة
17-10-2025 02:40 PM

منذ بدايات تأسيس الدولة الأردنية، نسجت عمّان والفاتيكان خيوط علاقة مميزة قوامها الاحترام المتبادل، والحوار، والإيمان المشترك بقيم السلام والعدالة وكرامة الإنسان. لم تكن هذه العلاقة مجرد تواصل دبلوماسي بين عاصمتين، بل حوارًا روحياً وثقافياً متصلاً بين ضفتي الإيمان، يجسد الدور الأردني الريادي في تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك، ويؤكد مكانة المملكة كأرضٍ انطلقت منها فجر المسيحية الأولى.

تاريخيًا، بدأت العلاقات الرسمية بين المملكة الأردنية الهاشمية والفاتيكان في خمسينيات القرن الماضي، لتتطور سريعًا إلى علاقة من الصداقة والاحترام المتبادل. وقد شكّل الأردن، بما يمثله من نموذج فريد في التوازن والاعتدال، محور اهتمام دائم لدى الكرسي الرسولي، بوصفه بلدًا يحتضن المسلمين والمسيحيين في نسيج واحد من المحبة والوئام.

حرص جلالة الملك عبدالله ، ومن قبله الراحل الملك حسين على توثيق الصلات مع الفاتيكان. فكلما تولّى بابا جديد مهامه، كان الأردن من أوائل الدول التي تبني العلاقة و تقوم بالزيارة في إطار الحرص على مد جسور الحوار والتفاهم. وفي المقابل، لم يغِب الأردن عن مسار زيارات باباوات الفاتيكان إلى المنطقة، بل كان أحيانا محطتهم الأولى في كل جولة شرق أوسطية تقريبًا، إدراكًا منهم لأهمية المملكة ودورها الديني والتاريخي.

فقد زار البابا بولس السادس الأردن عام 1964، في أول زيارة بابوية للأراضي المقدسة في التاريخ الحديث، وكانت عمّان آنذاك بوابة الفاتيكان إلى بيت لحم والقدس. ثم تكررت الزيارة مع البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000، حين بارك موقع المعمودية (المغطس) على ضفاف نهر الأردن، مؤكداً أنه من هناك بدأ نهر الإيمان المسيحي يجري في العالم. كما زار البابا بندكتوس السادس عشر المملكة عام 2009، والبابا فرنسيس عام 2014، في زيارات حملت رسائل روحية وسياسية تؤكد تقدير الفاتيكان للأردن باعتباره نموذجًا في التسامح والتوازن الديني.

تكتسب هذه الزيارات أهمية خاصة، إذ إنها تؤكد أن الأردن ليس مجرد محطة جغرافية، بل رمزٌ لمعنى الرسالة التي يحملها الشرق للإنسانية. فالأردن، بوصفه أرض المعمودية ومكان ظهور السيد المسيح عليه السلام في أكثر من موضع، يمثل “فجر المسيحية”، وهو الأرض التي حملت نور الرسالة إلى العالم. هذا الإرث الروحي جعل المملكة، بقيادتها الهاشمية، تتحمل مسؤولية كبرى في حماية المقدسات المسيحية والإسلامية على حد سواء، خصوصًا في القدس ، حيث يمارس الأردن وصايته التاريخية على كنائسها ومقدساتها إلى جانب المسجد الأقصى المبارك.

العلاقة بين عمّان والفاتيكان ليست دينية فحسب، بل تحمل بعدًا إنسانيًا وحضاريًا عميقًا. فقد أطلق الأردن العديد من المبادرات العالمية التي تبناها الفاتيكان وأثنى عليها، مثل مبادرة “رسالة عمّان” التي أكدت سماحة الإسلام و التي دعت إلى الحوار بين أتباع الديانات. هذه المبادرات جعلت من الأردن صوت الاعتدال في زمن تتصاعد فيه موجات التطرف وسوء الفهم بين الأديان.

إن لقاء عمّان والفاتيكان هو لقاء العقل والإيمان، والرحمة والسلام. ومن هذا اللقاء تستمر رسالة الأردن – البلد الصغير مساحة، الكبير برسالته – في أن يكون منارةً للحوار بين الأديان، وجسرًا بين الشرق والغرب، يذكّر العالم بأن الدين لم يُخلق ليقسّم البشر، بل ليجمعهم تحت مظلة واحدة: مظلة الإنسانية.

في كل زيارة ملكية إلى الفاتيكان، أو زيارة بابوية إلى الأردن، يُكتب فصل جديد من فصول هذا التاريخ المضيء، يؤكد أن ما بين عمّان والفاتيكان ليس مجرد دبلوماسية بين دولتين، بل عهد روحي وإنساني متجدد، عنوانه: السلام، والتفاهم، والكرامة لكل إنسان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :