facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




كيف غيّرت الثورات لغتها لتصبح لغة عالمية يفهمها الناس؟


م. وائل سامي السماعين
17-10-2025 11:55 PM

منذ فجر التاريخ، لم تكن الثورات مجرّد صدامٍ مع سلطةٍ قائمة، بل كانت عملية ولادةٍ جديدةٍ للوعي الإنساني. غير أن هذه الولادة لا تكتمل إلا عندما تغيّر الثورة لغتها، فتخرج من دائرة الغضب المحلي إلى فضاء القيم العالمية التي يفهمها كل إنسان.

المرحلة الأولى: لغة الغضب والرفض
في بداياتها، تتحدث الثورات بلغة الغضب والرفض. هي لغة مشحونة بالعاطفة والدم، تنبع من الألم الداخلي وتستهدف العدو القريب، لكنها لا تُفهم عالميًا لأنها تظل أسيرة حدودها.فالثورة الفرنسية عام 1789 مثلًا، بدأت بصيحاتٍ حادة ضد الملك والطبقة الأرستقراطية، فرآها العالم حينها مشهدًا من الفوضى والعنف، لا رسالةً للتحرر.

المرحلة الثانية: التحوّل إلى لغة القيم الإنسانية
حين تهدأ الموجة الأولى من الانفعال، تبدأ الثورات بإعادة صياغة خطابها في إطار القيم الإنسانية الكبرى التي يفهمها كل البشر.هنا تتحوّل من ثورةٍ داخلية إلى رسالةٍ كونية.فبعد مرحلة الغضب، أعادت الثورة الفرنسية تعريف نفسها بشعارات الحرية والمساواة والأخوة، فتحوّلت من شأنٍ فرنسي إلى لغةٍ عالمية.وكذلك فعلت الثورة الأمريكية التي انتقلت من تمرّدٍ على التاج البريطاني إلى إعلانٍ إنساني عن الحق في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة.

المرحلة الثالثة: لغة العدالة والكرامة
أما الثورات الحديثة، فقد أدركت أن النجاح لا يُقاس بعدد الخصوم الذين أسقطتهم، بل بمدى قدرتها على تحويل النضال إلى مشروعٍ أخلاقيٍّ للعدالة والكرامة.نيلسون مانديلا غيّر لغة النضال من “الثأر” إلى “المصالحة”، ففهمه العالم واحتفى به.أما الثورة التشيكية عام 1989، فلم ترفع رايات العنف، بل شعارًا واحدًا هزّ الضمير الإنساني: «الحق في قول الحقيقة»، فكانت حركة ضمير أكثر منها تمرّدًا سياسيًا.

كل ثورةٍ تريد أن تُسمَع عالميًا، عليها أن تتحدث بلغة الإنسان لا بلغة الفصيل، بلسان الأمل لا بلغة الانتقام.فالعالم لا يصغي لمن يصرخ، بل لمن يعبّر عن قيمٍ يمكن أن تكون قيمه هو أيضًا.إن جوهر الثورة لا يكمن في السلاح أو الشعار، بل في الكلمة التي تُعيد تعريف الإنسان ومعنى العدالة.

فالثورات التي غيّرت وجه التاريخ لم تنتصر حين أسقطت خصومها، بل حين غيّرت لغتها لتخاطب العالم بلغته — لغة الكرامة، والحرية، والضمير الإنساني.كل ثورة تبدأ صرخة وتنتهي فكرة،تبدأ بلغة الدم وتنضج بلغة الوعي.وحين تصل إلى لحظة النضج، تدرك أن رسالتها ليست ضد أحد، بل من أجل الإنسان نفسه.وهكذا فقط، تتحوّل الثورة من حدثٍ في التاريخ إلى ضميرٍ في وجدان البشرية.

اما الثورات العربية ... لماذا فشلت في عبور اللغة؟.

إن بعض المنظّرين العرب الذين يسعون إلى تشبيه المقاومة أو الانتفاضات في عالمنا العربي بالثورات العالمية، يغفلون عن حقيقة جوهرية: أن الاستمرار في المقاومة من أجل المقاومة ليس نضالًا، بل صكّ إعدامٍ تصدره الشعوب بحق نفسها.

لقد فشل “الربيع العربي” لأن ثوراته توقفت عند المرحلة الأولى —مرحلة الغضب والرفض— ولم تستطع الانتقال إلى لغة القيم والكرامة الإنسانية. وكذلك فشلت مشاريع الأيديولوجيات الكبرى كـ القومية العربية وحزب البعث وما يسمى بمحور المقاومة، لأنها لم تخرج من لغتها المغلقة إلى خطابٍ عالميٍ يفهمه الإنسان العادي في أي مكان. لقد بقيت هذه الحركات تتحدث بلغة الثأر والعدو والانتقام، بدلًا من لغة العدالة والكرامة والحرية.وبذلك لم تَبنِ إنسانًا جديدًا، بل كرّرت أخطاء التاريخ بعباراتٍ مختلفة.

فالثورة لا تُقاس بصرخة البدايات، بل بلغة الوعي التي تختمها. وحين تتحول من منبر للغضب إلى مدرسةٍ للكرامة، عندها فقط تصبح رسالة إنسانية يتحدث بها العالم أجمع.

waelsamain@gmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :