في السنوات الأخيرة، ومع كل إعلان عن استمرار التوقيت الصيفي في الأردن، تتجدد حالة الجدل الشعبي الواسع حول جدواه وأثره الحقيقي على حياة الناس. فبينما تتحدث بعض الجهات الرسمية عن مزايا اقتصادية مزعومة، تكشف التجربة اليومية للمواطنين عن واقع مختلف، بل معاكس في كثير من الأحيان.
التوقيت الصيفي الذي أبقى ساعات النهار أطول لم ينعكس إيجابًا على الاقتصاد كما رُوّج له، بل تسبب في ارتباك واضح في وتيرة الحياة اليومية، خاصة مع بزوغ فجر متأخر وظلمة صباحية تطول حتى ما بعد السابعة، ما جعل الطلبة والموظفين يخرجون في عتمة باردة محفوفة بالمخاطر حتى و إن عدّلت المدارس توقيتها ، ففي ظل بنية تحتية لا توفر أمانًا كافيًا في الطرقات والأحياء...لا يكاد التعديل يحدث فرقًا.
من الناحية الأمنية والاجتماعية، يرفع التوقيت الصيفي احتمالية وقوع الحوادث، سواء المرورية أو الجنائية، فخروج الطلبة إلى المدارس قبل طلوع الشمس يزيد من المخاطر، خصوصًا في المناطق ذات الإضاءة الضعيفة أو الطرق غير المؤهلة. كما أنّ العائلات أصبحت مضطرة لتعديل جداولها اليومية بشكل مرهق، مما أثر على انتظام النوم وراحة الأطفال وكبار السن على حد سواء.
أما اقتصاديًا، فإن الادعاء بتقليل استهلاك الكهرباء لا يصمد أمام الحقائق. فالتوقيت الصيفي قد يقلل الإضاءة المسائية ساعة أو ساعتين، لكنه يزيد الاستهلاك صباحًا بسبب الحاجة للتدفئة والإضاءة المبكرة، خاصة في فصل الشتاء الذي يطول فيه الليل. بل إنّ الدراسات في عدد من الدول أثبتت أن الوفورات المفترضة من التوقيت الصيفي لا تكاد تُذكر، فيما تزداد تكاليف الصحة العامة بسبب اضطرابات النوم والضغط النفسي الناتج عن خلل الساعة البيولوجية للإنسان.
على صعيد العمل والإنتاجية، تبيّن أن التوقيت الصيفي لا يرفع الإنتاج كما يُعتقد، بل يؤثر سلبًا على كفاءة العاملين، إذ يشعر كثيرون بالتعب والارتباك في مواعيد النوم والاستيقاظ. كما أنّ التناقض بين التوقيت الأردني وتوقيت الدول المجاورة يُضعف التنسيق التجاري واللوجستي ويخلق ارتباكًا في جداول الطيران والاجتماعات الافتراضية.
الأردن، بلد صغير الحجم كبير الأعباء، بحاجة إلى استقرار زمنيّ لا إلى تغييرات متكررة تخلق فوضى في تفاصيل الحياة. التوقيت الشتوي ليس مجرد ساعة تُقدَّم أو تُؤخَّر، بل هو نظام حياة أكثر انسجامًا مع الطبيعة والمجتمع. في هذا التوقيت، تشرق الشمس في وقت معقول، يستيقظ الناس على نور طبيعي لا على ظلمة، ويخرج الأطفال إلى مدارسهم بأمان.
إعادة العمل بالتوقيت الشتوي ليست رفاهية ، بل عودة إلى التوازن المنطقي بين الإنسان والوقت، بين الضوء والحركة، بين الراحة والإنتاج. لقد أثبتت التجربة أن استمرار التوقيت الصيفي طوال العام لا يخدم أحدًا سوى جداول ورقية لم تراعِ نبض الشارع، ولا احتياجات المواطن الذي يبدأ يومه قبل الشمس ويعود إلى بيته بعد مغيبها.
آن الأوان أن يُعاد النظر بجرأة في هذه السياسة الزمنية، فالتوقيت الشتوي ليس خيارًا ثانويًا، بل قرار وطني يمس الأمن، والاقتصاد، وصحة الإنسان، ويعيد الحياة إلى إيقاعها الطبيعي في بلدٍ يستحق أن يعيش أبناؤه بطمأنينة وانسجام مع شروقهم وغروبهم.