دور الجوائز الدولية والدبلوماسية الرمزية في تعزيز أفكار الدول
د. حمزة الشيخ حسين
22-10-2025 11:06 AM
في عالم اليوم، لم تعد الجوائز الدولية والأوسمة الرفيعة مجرد أدوات لتكريم المنجز الإنساني أو العلمي أو الإبداعي، بل أصبحت في كثير من الأحيان جزءًا من منظومة دبلوماسية رمزية تهدف إلى تكريس سرديات سياسية وثقافية تخدم مصالح محددة لدول أو مؤسسات عالمية.
لقد تحوّلت الجائزة في أحيان كثيرة إلى أداة ناعمة للهيمنة والتأثير، تُمنح لشخصيات دولية لا لجهودها الإنسانية أو العلمية، بل لما تمثله من رمزية سياسية أو فكرية تخدم أجندة معينة. وهنا يبرز دور الإعلام العالمي، الذي يقوم بتصوير الحدث على أنه إنجاز حضاري، في حين يكون الهدف الحقيقي هو تلميع صورة شخصية دولية مارست أدوارًا سلبية في تفكيك المجتمعات أو بث الفوضى أو دعم النزاعات تحت شعارات براقة مثل “حقوق الإنسان” أو “الإصلاح السياسي”.
إن المتأمل في عدد من الجوائز التي تُمنح سنويًا لبعض القادة والمسؤولين يدرك أن المثقف العربي يجب أن يكون أكثر وعيًا وبصيرة في قراءة ما وراء هذه الرموز. فليس كل تكريمٍ اعترافًا بالقيمة، وليس كل وسامٍ دليلًا على الاستحقاق. أحيانًا تكون الجائزة مجرد ستارٍ لتغطية جرائم أو أخطاء سياسية ارتُكبت في الخفاء، أو وسيلة لتثبيت سردية جديدة تبرئ المسؤول وتعيد تسويقه أمام الرأي العام.
ولعل أخطر ما في هذا المشهد هو دور الإعلام الدولي الذي يسهم في “تجميل” الصورة وتسويقها بمهارة عالية. فوسائل الإعلام التي تمتلك القدرة على صياغة الرأي العام العالمي تستطيع، من خلال التكرار والإخراج البصري والمفردة المدروسة، تحويل الشخصية الجدلية إلى “رمز ملهم”، وإقناع الجمهور أن التكريم جاء نتيجة إنجازات عظيمة، بينما الحقيقة قد تكون عكس ذلك تمامًا.
إننا بحاجة إلى قراءة نقدية واعية لكل حدث دولي من هذا النوع، وإلى إعادة الاعتبار للجوائز الحقيقية التي تُمنح بناءً على الضمير الإنساني والعمل الفعلي لا على الولاء أو التبعية السياسية. فالدبلوماسية الرمزية قد تُخفي وراء بريقها مصالحَ كبرى، والمثقف الحقيقي هو من يستطيع أن يميّز الجوهر من المظهر، وأن يكشف الوجه الآخر للحدث قبل أن يتحوّل إلى حقيقة إعلامية يصعب نقضها لاحقًا.
في النهاية، تبقى الجوائز الدولية مرآةً لموازين القوى أكثر منها معيارًا للفضيلة، ويبقى الوعي الثقافي النقدي هو السلاح الأهم في مواجهة التزييف الرمزي الذي يفرضه الإعلام والدبلوماسية الحديثة..