كتب عون قداح:
حين احترق النور فينا لكثرة فتاوينا..
فأصبحت فتاوينا سببًا لبلاوينا..
كأن الله — في ظن من يتكلمون باسمه — يريد العُسر لا اليُسر فينا..
أصبحنا نغرق في تفاصيل لا تنتهي.. فتاوى لا تعد..
المشي.. الكلام.. اللباس و حتى التفكير و التدوينا..
كدنا نفتي في الهواء كيف عليه أن يتحرك و النسمه كيف تمر من بين ايدينا..
صرنا نُفتي ولا نعرف الأخلاق، نفتي ولا ننصر المظلوم، نفتي ونضع أوزارنا على أفعال لا علاقة لها بالذنوب.
نفتي لا لنُحسِّن، بل لننتقد.
ولا نرى في مرايانا إلا غيرنا..
نحكم على الناس دون أن نرى ما في قلوبنا من ظلام!
نسينا أن الدين خلقٌ قبل أن يكون فتوى،
وأن الله لم يبعث الأنبياء ليراقبوا حركة الأيدي و رمشة الأعين..
بل ليُحيوا القلوب الميتة.
لكننا اليوم نحاسب الناس على ملابسهم .. معتقداتهم .. افكارهم..
ونتجاهل السرقات..
سرقات احلام.. سرقات ارواح سرقات ما تبقى من رحمه فينا..
نغضب من كلمة، ونسكت عن ظلمٍ يهدم وطناً يأوينا..
لماذا لا نلتفت إلى قضايا المجتمع الحقيقية؟
فقرٌ ينهش في الناس، قهرٌ يتكاثر، وظالمٌ صار سيّد المظلوم و حاكم بأمره فينا..
وبدل أن نخفف عن الناس، نزيد الضغط عليهم بفتاوى لا يسعها عقل ولا كتاب و فيها الكثير من الأنينا..
نناقش المظهر ونترك الجوهر، نحاكم المساكين على ما لا يملكون، ونمجد أصحاب المال وإن ظلموا.
جيوشٌ من الفتاوى لم يُنزِل الله بها سلطانً
ملأت الكتب والمكتبات حتى سقطت رفوفها،
وسقطت معها عقولٌ لم تعد تحتمل هذا الثقل من التحريم والتقييد و التلقينا..
لقد احترق النور فينا،
حين صار الدين صدى لصوت المتشددين،
وصمتًا في وجه الظالمين،
حين صار الناس يخافون من الكلمة أكثر من الخطيئة،
ويعبدون الفتوى لا الخالق.
لقد احترق النور فينا،
لأننا جعلنا الفتوى دينًا،
والدين سلاحًا،
والسلاح موجَّهًا إلى الإنسان ذاته.