نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام .. متطلبات النجاح
د.عبدالله القضاة
23-10-2025 09:19 AM
يمثل نظام الموارد البشرية في أي دولة الركيزة الأساسية لتطوير الأداء الحكومي وتحقيق الكفاءة المؤسسية. في الأردن؛ يشكل تحديث هذا النظام خطوة استراتيجية ضمن جهود تحديث القطاع العام وتعزيز الإدارة العامة بما يتوافق مع متطلبات التحول الرقمي، والحوكمة، والمساءلة، وتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية للمواطنين.
وقد كان من مخرجات خارطة تحديث القطاع العام؛ إقرار نظام جديد لإدارة الموارد البشرية برؤية مختلفة تماما عن الممارسات السابقة ، من حيث التوجه نحو الإعتماد على الكفايات الوظيفية في أنشطة إدارة الموارد البشرية ، وتقييم أداء العاملين وتسعير الوظائف التي يشغلها الموظف وفق مستوى الكفايات الوظيفية ومتطلبات الجدارة والإستحقاق وبموجب عقود محددة المدة بعيدا عن سلم الدرجات التقليدي في الترفيع والترقية والتي إعتاد عليها موظفي القطاع العام.
وكأي مشروع تغيير؛ تعرض النظام الى مقاومة ومعارضة ، منها عدمية، ومنها إيجابية تطرح الحلول والتحسين للوصول لوضع افضل، فالنظام جاء نتيجة جهد بشري وليس كتاب مقدس ؛ وعليه ، يمكن أن أقدم ؛ عبر سلسلة من المقالات؛ رؤية لتجويد النظام بما يتوائم والثقافة الوطنية ومتطلبات التحديث المنشود.
أولا: تسعير الوظائف وإحتساب المؤهلات العلمية والمهنية: بموجب النظام الجديد تم تسعير الوظائف وفقا لتعليمات التقييم والتحليل الكمي والموضوعي الصادرة عن مجلس الوزراء، والمنهجية التي اقترحها لتسعير الوظائف تكمن في تحديد حد أدنى وحد أعلى لراتب الوظيفة؛ بحيث يزيد الحد الأعلى عن الأدنى بواقع (50%)، على سبيل المثال، لو تم تسعير وظيفة مدير مديرية الموارد البشرية ب (1500) دينارا وفقا للمنهجية المطبقة حاليا، فيتم إعادة التسعير لتصبح من (1000 الى 1500) دينار، وهنا قد يتساءل البعض كيف يكون التمايز بين الحد الاعلى والأدنى؟ وأجيب أن الذي يحصل على علامة النجاح (50%) في إختبار الكفايات الذي يجرية مركز تقييم الكفايات في هيئة الخدمة والإدارة العامة يعيين بالحد الأدني (1000) دينار، في حين لو أن موظفا حصل على علامة (90%) فأكثر فسيكون راتبه الحد الأعلى (1500) دينارا، وهكذا لمن يحصل على أي فئة بين الحدين، وخاصة أن نتائج مركز الكفايات موثوقة وبعيدة عن التدخل البشري، وعليه، سنجد أن مدراء المديريات تتفاوت رواتبهم بين الحد الأدنى والأعلى وفقا لمستوى الكفايات لديهم ؛ وهذا ينسجم تماما مع فلسفة النظام.
وحتى لايظلم من يحصل على مؤهل علمي جديد أو شهادة مهنية، فيسمح له بعد الحصول على أي منها التقدم بطلب إعادة تقييم كفاياته وفقا لذات المنهجية ، وفي حال حصل على نتيجة أعلى من التي حصل عليها سابقا يتم زيادة راتبه ضمن الفئة التي يستحقها بين الحد الأدنى والأعلى من راتب الوظيفة التي يشغلها، وبهذه الحالة فقد يرتفع راتبه لإرتفاع مستوى كفاياته وليس لحصوله على المؤهل، فقد يحصل البعض على مؤهل أو شهادة مهنية ولا يحصل على زيادة في راتبه إذا لم ينعكس أثرها في رفع مستوى كفاياته الوظيفية ؛ وهذا يحقق العدالة في تطبيق الفلسفة التي بني عليها النظام.
أما بخصوص مدة تجديد العقد، أيضا تعتمد على مستوى كفايات الموظف، فالذي يحصل مثلا على مستوى (50 -60%) يجدد عقدة لسنتين مثلا، في حين أن الذي يحصل على مستوى (80%) فأكثر يجدد عقده لمدة خمس سنوات ، وهكذا للشرائح الواقعة بين الحدين ؛ وهذا يدفع الموظفين لتطوير كفاياتهم ويربط كافة قرارات الموارد البشرية بمستوى الكفايات .
السؤال الآخير الذي قد يتبادر لذهن البعض: ماذا بخصوص من تم تسعير وظائفهم على الحد الأعلى؟ الأصل الإستمرار بنفس الراتب لنهاية العقد ؛ وفي حال إستحق التجديد يتم تطبيق منهجية التسعير المقترحة ، وهذا يمكن أن يسري على شاغلي الوظائف قبل سريان النظام ، أي المسعرة وفقا لنظام الخدمة المدنية، فيمكن أن يسمح لاي موظف بالتقدم لإختبار الكفايات والذي يحقق النجاح يرتفع راتبه وفقا للنتيجة التي يحصل عليها بين الحدين، ويحتفظ بنفس راتبه في حال لم يحصل على علامة النجاح التي تقررها الهيئة.
نتأمل بدراسة هذه المنهجية بشكل علمي وموضوعي ، وقد يتم إثرائها بما يخدم التحديث المنشود، وساتناول في المقال القادم موضوعا آخرا من مواضيع نظام الموارد البشرية.
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا
abdqudah@gmail.com