المواطن الأردني اليوم صار حالة استثنائية، ظاهرة تستحق الدراسة في الأمم المتحدة. يعيش براتب أقل من الحد الأدنى، ومع ذلك يمتلك معنويات أعلى من مستوى الغيوم. بيصحى الصبح يفتح تطبيق البنك، بيشوف الرصيد صفر، بيبتسم ويقول: "الحمد لله، المهم في أمن وأمان وتحت راية سيدنا." يروح عالشغل وهو فاهم إنه مش رايح يشتغل، هو رايح يحافظ على الكرامة الوطنية بوجه التضخم. بيشتري قهوة على الطريق رغم إنه جيبته فاضية، مش عشان مزاج، بس عشان يضل شكله طبيعي بين الناس. بيشربها بنص سعادة ونص فقر، ولما يحكي له زميله: "غلوا القهوة!" بيرد عليه: "يا زلمة، خلّيهم يغلّوا… المهم سيدنا بخير."
الأسعار بتطلع مثل صاروخ، والمواطن الأردني لسه بيحاول يلحقها بسيارة موديل ٩٨ فيها البنزين على الريحة. فاتورة الكهربا بتيجي رقم فلكي، والمياه بتنزل بالتقسيط، والخبز طالع من قائمة الكماليات، ومع هيك بتشوف الأردني بضحك. مش لأنه مش حاس، بس لأنه عارف إنه لو بكى رح يدفع ضريبة دموع. بيجي آخر الشهر، الراتب يدخل البنك زيارة قصيرة، مثل السياح اللي بمرّوا مرور الكرام. ما بيلحق يقول "السلام عليكم" إلا والبنك بيحكيله "مع السلامة". القسط الأول بيأخذه، القسط الثاني بيدعي له، والراتب بيختفي كأنه حلم. ومع ذلك، الأردني بيظل متفائل، بيحكي: "يمكن الحكومة تخطط لشي كبير، أكيد سيدنا ناوي خير."
الأردني صار عنده مناعة ضد الصدمات، يعني لو بكرة سمع خبر إنهم رح يفرضوا ضريبة على التنفس، بيضحك وبيحكي: "مش مشكلة، رح نحبس النفس عشان الوطن." صار عنده قدرة خارقة على تحويل الهم إلى نكتة، والفقر إلى مادة ضحك جماعي. بيجلس مع صحابه بالمقهى، كل واحد بيحكي عن مأساته وكأنه بيحكي عن بطولة رياضية. واحد بيحكي: "الكهربا انقطعت عني يومين"، الثاني بيرد عليه: "محظوظ، إحنا مفصوله عنا من ٢٠١٨!". وبيظل، رغم كل هذا، يحب سيدنا. حب صادق مش تمثيل. لما يشوف جلالة الملك بالتلفزيون، قلبه بيرتاح، بيحس إنه مهما ضاقت، في مين شايفه. بيقول لمرته: "شايفة سيدنا؟ والله وجهه بيفتح النفس، الله يطوّل بعمره." كأنه الملك بالنسبة له صمام أمان نفسي قبل ما يكون سياسي.
الأردني ممكن ينتقد الحكومة، يهاجم الوزراء، يضحك على القرارات، بس لما تيجي سيرة سيدنا، بيوقف الحديث. بيحكي: "لا، سيدنا ما إله علاقة، هو الطيب فيهم، بس البلا باللي حواليه." وبتحس فعلاً إنه بيحب الملك مش حب شعار، حب من القلب. بيحلم كل يوم إنه بكرا ينزل بيان رسمي: "تقرر تخفيض الأسعار ٥٠٪". بيفتح التلفزيون، ما بيلاقي الخبر، بس بيلاقي خطاب لجلالة الملك، فبيحكي: "مش مهم، كلام سيدنا أغلى من أي تخفيض." بيرجع يضحك ويقول: "أنا أصلاً كنت ناوي أضعف، فغلاء المعيشة ساعدني."
المواطن الأردني صار فنان في البقاء. بيعيش على قروض، بيصرف على الأمل، وبيتنفس من صبره. ومع ذلك، كل ما يشوف علم الأردن مرفوع، بيرجع فيه النَفَس. بيقول: "إحنا بخير، طالما سيدنا بخير." هو لا يعيش من راتب ولا من دعم، هو يعيش من كرامة. يمكن جيبته فاضية، بس قلبه مليان وطن. يمكن ما عنده لحمة في الطبخة، بس عنده ولاء في الروح. يمكن بطل يشتري الذهب، بس ما ببيع كلمته. بيعيش يومه بيومه، وعلى وجهه ابتسامة كلها حكي، وكأنها تقول: "إحنا تعبنا، بس لسه واقفين، ولسه مع سيدنا، حتى لو أكلنا هوا." وإذا سألته: "ليش لسه متمسك بالأمل؟" بيجاوبك وهو يضحك: "لأننا شعب ما بينكسر، بيغلى، بيجوع، بيتنكد، بس ما بنبيع حب سيدنا. يمكن الوضع صعب، بس الأردن دايماً بخير… وسيدنا على راسنا، ولو ظل معنا بس الدعاء، رح نضل ندعي له من القلب."