facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأحياء داخل المشرحة: موت المعنى كأخطر أزمة مجتمعية


لانا ارناؤوط
24-10-2025 06:25 PM

(ننظر من فتحة المشرحة ونعتقد أننا أحياء) هذه الجملة التي وردت في مسرحية «فريجيدير» للمخرج د. الحاكم مسعود، المأخوذة عن رواية «زمن اليباب» للكاتب هزّاع البراري، لم تكن مجرد حوار داخل عمل مسرحي، بل كانت إعلانًا فلسفيًا عن صورتنا المعاصرة: أجساد تمشي في الشوارع لكنها من داخِل الحياة خارجها، تراقب العالم من فتحة ضيقة كما لو كانت جثثًا تنتظر دورها في الدفن.

الحياة لا تُقاس بالنبض، بل بالفعل، ولا بالزفير والشهيق، بل بالقدرة على صنع فرق مهما كان صغيرًا كل كائن لا ينتج معنى، لا يضيف معرفة، لا يحمي قيمة، لا يبني طفلًا، لا يدافع عن حق، لا يغيّر في نفسه أو في محيطه مقدار أنملة، يقف فعليًا في غرفة المشرحة ولو سار بيننا في الشوارع فالزمن الذي يسيل عبر أيام من دون مردود يشبه صمت الجثة داخل الكفن: لا أثر، لا مقاومة، لا شهادة على أنه كان هنا.

تتجلى هذه الفكرة بوضوح حين تتحول المجتمعات إلى مصانع طاعة، حين تُستنزف الشعوب تحت أعباء المسؤوليات الاقتصادية والضغوط السياسية والقوانين المشوهة التي تُعيد تشكيل الإنسان ليصبح صالحًا للامتثال فقط حين تهيمن الأسر والوظائف والسلطات والاحتياجات على المعنى، يصير الناس عبيد حياة لا يملكون منها سوى الاسم في هذه اللحظة يتحول الوطن إلى مشرحة واسعة ينام فيها ملايين الأحياء بلا أثر، أحياء اسمًا، وأموات وظيفةً ودورًا.

وهنا يظهر الربط مع إدارة الأزمات: حين تتعامل الأنظمة مع الإنسان بوصفه رقمًا في جداول الطوارئ أو متغيرًا في معادلات الاستقرار، فإنها تنتج مجتمعًا فاقد المناعة، هشًا، خانعًا، غير قابل للمبادرة أو الإصلاح. المجتمعات التي تُطفأ فيها شرارة الحياة الفاعلة تصبح عاجزة عن حماية نفسها عند الكوارث وعن استعادة عافيتها بعدها، لأنها فقدت جوهر ما يجعل البشر بشرًا: المبادرة، النقد، المسؤولية الذاتية، والقدرة على الفعل.

الأزمة ليست حين تقع الكارثة، بل حين يعيش مجتمع كامل في حالة موت معنوي قبل أن تبدأ الكارثة فالدول القادرة على النجاة ليست التي تملك معدات الإنقاذ بقدر ما تملك بشرًا أحياء بالمعنى العملي للكلمة: بشرًا منتجين، مؤثرين، أحرارًا من الداخل، يرفضون دور الجثة في مشرحة السياسة والاقتصاد.

ولذلك، كان معنى الجملة في «فريجيدير» صادمًا لأنه يمثل مرآة: الرؤية من خلف باب الموت لا تصنع حياة، وما لم يصبح الإنسان مصدرًا للتغير لا يمكن وصفه بأنه حي نحن لا نحيا ما لم نُثبت أننا خرجنا من طابور الجثث إلى صفّ الفاعلين في التاريخ، ومن هذه النقطة فقط تبدأ إدارة الأزمات بحق: حين تصنع مجتمعات لا تكتفي بالبقاء، بل تصر على أن تكون جديرة بالبقاء.






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :