facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الملك عبدالله الثاني .. حين تتجسد الفكرة في رجل


العنود عبدالله الطلافيح
27-10-2025 11:18 AM

في زمنٍ يزدحم بالضجيج وتتهاوى فيه البوصلة من بين أيدي الشعوب والدول، يطل الملك عبدالله الثاني لا كخطيبٍ يصف، بل كقائدٍ يُعيد تعريف معنى أن تكون الدولة فكرة قبل أن تكون سلطة. في كلماته لا يبحث عن التصفيق، بل عن الوعي. لا يُخاطب اللحظة، بل يوجّه التاريخ. كل مرة يتحدث فيها، تشعر أن وراء الكلمات عقلًا يقرأ الغد كما لو كان قد رآه من قبل، وأن وراء الهدوء صلابة، ووراء الحكمة صرامة، ووراء التواضع تصميم لا يلين.

في فكر جلالته تتجسد مدرسة الحكم الهاشمية بكل تجلياتها النادرة: المبدأ الثابت وسط الإعصار، والاتزان في زمن المزايدات، والإيمان العميق بأن القوة ليست في الصوت المرتفع، بل في القدرة على الاستمرار بثقة. لذلك ظل الأردن، رغم ما مرّ به من رياحٍ عاتية، دولةً واقفة لأنها تملك قائدًا لا يخاف من المواجهة، ولا ينجرف إلى المغامرة حين يتحدث الملك عن الوطن، لا يراه جغرافيا، بل كقيمة أخلاقية. الوطن عنده ليس منبراً، بل عهد. ومن هنا، يصرّ على أن التحديث ليس مشروعًا حكوميًا بل قدرًا وطنيًا. تلك هي فلسفة الدولة في رؤيته: أن كل إصلاح لا يبدأ من الإنسان، لا يستحق أن يُسمى إصلاحًا. يؤمن أن بناء الدولة لا يتم بالشعارات بل بالفعل، وأن العدالة لا تتحقق بالخطابات بل بالمؤسسات، وأن الثقة بين المواطن والدولة لا تُمنح بل تُكتسب بالصدق والمساءلة.

جلالته لا يتحدث بلغة الأزمات، بل بلغة الوعي. يرفض جلد الذات، لكنه لا يجمّل الواقع. حين يتحدث عن الاقتصاد، تسمع بين السطور حرص القائد لا قلق السياسي. وحين يتحدث عن الشباب، يراك في صوته، لأن في عقيدته أن الأردن لن يُبنى إلا بسواعد أبنائه، لا بأمنيات المتفرجين.

ولأن السياسة في فكره ليست لعبة مصالح بل ميزان قيم، ظلّ موقفه من فلسطين والقدس ثابتًا كالصخر. لا يزايد، لا يساوم، ولا يتبدّل. يرى في الدفاع عن القدس دفاعًا عن معنى الكرامة نفسه، وفي الوصاية الهاشمية امتدادًا لدورٍ تاريخي لا يخضع للسياسة بل للهوية. وهنا سرّ قوة الموقف الأردني: أنه موقف نابع من الذات، لا من الاصطفاف.في الإقليم المشتعل، يقف الملك عبدالله الثاني كصوتٍ للعقل، يرفض منطق الصراخ ويُعلّم العالم كيف تكون الدولة الصغيرة كبيرة بفكرها. لم يكن الأردن يومًا لاعبًا على الأطراف، بل ضميرًا في قلب المشهد، يُذكّر الجميع أن الاعتدال ليس ضعفًا، بل أعظم أشكال الشجاعة.

الرؤية التي يحملها الملك ليست رؤية لموسمٍ أو أزمة، بل مشروع وطني ممتد: أن يبقى الأردن دولة سيادة لا تبعية، دولة كرامة لا مديونية، دولة إنسان قبل أي عنوان آخر. وفي هذا الفكر تتجسد عبقرية القيادة الهاشمية، التي جعلت من البقاء فنًّا، ومن الصمود نهجًا، ومن التحدي طريقًا إلى البناء. جلالته لا يُدير دولة فحسب، بل يُشكّل وعي أمة. يقودها بصمتٍ واثق حين يعلو الضجيج من حولها، يختار العقل حين يختار الآخرون الغضب، ويُصرّ على أن المستقبل يُصنع بالعمل لا بالتناحر. ومن هنا، صار الأردن في فكر قائده رسالةً أكثر منه موقعًا، ونموذجًا أكثر منه تجربة.

هو الملك الذي يفهم أن القوة لا تُقاس بعدد البنادق، بل بعدد العقول النبيلة. وأن المجد الحقيقي ليس في الشعارات، بل في أن تظلّ واقفًا حين ينحني الآخرون. لذلك يبقى الأردن اليوم كما أراده ملكه: دولة صلبة، مرفوعة الرأس، لا تهاب الريح لأن جذورها في الأرض، ولا تنحني للعاصفة لأن في قلبها إرادةٌ من صخر.

ختاما ويؤسفني ان اختتم روعة سطرها جلالته امس فهو ليس زعيم مرحلة، بل مدرسة دائمة في الحُكم والفكر والمروءة السياسية. كلما اشتدت العواصف، ازداد حضورُه صلابة، وكلما تعاظمت الضغوط، ازداد إصراره على الثبات. هو الملك الذي جعل من الصمت لغة هيبة، ومن الحلم مشروع دولة، ومن الأردن فكرةً أكبر من الجغرافيا. ومن بين كل هذا الركام الإقليمي، يظل صوته نبرة العقل الأخيرة في شرقٍ يترنح بين العاطفة والنار، حاملًا راية الحكمة الهاشمية العالية التي لا تسقط، لأنها لا تُرفع إلا للحق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :