خطاب العرش… نبض الوطن وكلمة المُلهم
د.مروان الشمري
27-10-2025 06:12 PM
في صباحٍ يشرقُ على عمّان كأنّه يتوضّأ بضوء الشمس، افتتحَ الملك عبدالله الثاني دورة مجلس الأمّة، فكان خطابهُ كالفجر، لا يعلنُ فقط بداية يومٍ جديدٍ للدولة، بل انبعاثًا جديدًا للروح الأردنية.
كلماتُه لم تكن حروفًا على ورق، بل كانت نَبضًا في صدرِ وطن، يذكّر أبناءه أن الأردنّ خُلِقَ من رحمِ العواصف، فتعوّدَ أن يبتسمَ وهو يعبرُ العاصفة.
قالها جلالته بلهجةِ الأب الصادق: «وُلد الأردن في وسط الأزمات، لكنه نمى وتقدّم بتجاوزها أزمةً تلو أخرى»، فكان في هذا القول طباقٌ بين الأزمات والنماء، وفيه جناسٌ بين الألم والأمل، وفيه إيقاعٌ من صلابةٍ ولينٍ يُشبِه روح الأردنّ نفسها.
سياسيًّا، جاء الخطابُ تجديدًا للميثاق بين القيادة والشعب، حيث شدّد جلالته على استمرار الإصلاح السياسي والاقتصادي، لا كترفٍ سياسيّ، بل كضرورة وجودية لدولةٍ صغيرة بحجمها، كبيرةٍ بدورها.
لقد خاطبَ المؤسسات لا ليُوبّخ، بل ليُوقظ؛ ودعا الأحزاب لا لتتنافسَ فقط، بل لتتعافى من الذاتية إلى روح الشراكة.
ولعلّ أبلغ ما في الخطاب أنه جمع بين الصرامة والعاطفة، فكان قويًّا في لغته، رقيقًا في مقصده؛ فالقائد الذي يقول “قد يقلق الملك، لكنه لا يخاف إلا الله” لا يُعلن خوفًا، بل يُعلن إيمانًا راسخا بالله وتوكلاً عليه اتكاءً على عمل مخلص لله وللوطن والأمة وعلى شعب يؤمن بقيادته ايماناً ثابتا كثبات الارض الأردنية عبر تاريخها الطويل منذ الانباط وحتى يومنا هذا.
استمع الأردنيون إلى ملكهم، فهتف القلب قبل اللسان اللهم احفظ قائد الوطن لشعبه وولي عهده الأمين. لقد كان في كلماته سجع الدعاء وصدق الولاء؛ يذكّر الناس أن الوطن لا يُصان بالخطب، بل بالفعل، ولا يُبنى بالشكوى، بل بالعزم.
في كل جملةٍ من خطابه دفءُ بيتٍ أردني، ورائحةُ القهوة في صباحٍ من جبال السلط، وإصرارُ جنديٍّ يرابط على حدود الكرامة.
من حيث المضمون، وضع الملك خارطة طريقٍ متجدّدة:
إصلاحٌ سياسيّ يوازيه إصلاحٌ إداريّ.
اقتصادٌ منتجٌ لا يعتمد على الغير.
موقفٌ عربيّ ثابت في وجه التحدّيات الإقليمية، لا حياد فيه ولا انحناء.
لقد خاطب الداخلَ والخارج معًا، فطمأن الأردنيين على ثبات دولتهم، وأرسل للعالم رسالةً أن الأردن لا يُدار بالصدفة، بل بالحكمة، ولا يعيش بالمعونة، بل بالعزيمة.
يا سيّد البلاد لقد صدحتَ بالحقيقة كما تصدحُ المآذن بالفجر، وذكّرتَ أبناءك أن حبّ الوطن عملٌ لا قول.
نُقسمُ أننا معك في السراء والضراء، وندعو الله أن يحفظك كما تحفظُ أنت كرامتنا،
وأن يمدّك بعونٍ من عنده،
فالأردنُّ بكَ يمضي، وعلى خُطاكَ يسير، وبإخلاصك يزدهر.
اللهم احفظ عبدالله الثاني، وبارك له في عمره، وامنح الأردنّ أمنه وأمانه، وعزّه وإيمانه>