facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المسؤولية الأخلاقية والتربوية في الجامعات: حماية المرافق وصون الصورة


أ. د. هاني الضمور
28-10-2025 02:45 PM

الجامعة ليست فقط مكانًا للتعليم، بل فضاء حضاري يُعكس فيه وعي الطلبة وانتماؤهم، وصورة المجتمع في أبهى تجلياتها. وهي حين تبنى وتجهز بالمختبرات والقاعات والمكتبات والمرافق المختلفة، فإنها لا تقدم خدمة فردية لطلبة اليوم فحسب، بل تؤسس رصيدًا للأجيال المقبلة. غير أن الواقع يكشف عن سلوكيات سلبية تتكرر في أكثر من جامعة أردنية وعربية، أهمها ترك الفضلات والأطعمة في القاعات والممرات، والكتابة على الجدران، وانتشار التدخين في غير أماكنه المخصصة. هذه الممارسات، وإن بدت بسيطة للبعض، إلا أنها تحمل دلالات عميقة على مستوى المسؤولية الأخلاقية والتربوية التي يفترض أن يحملها الطالب الجامعي.

إن ترك بقايا الطعام والعلب الفارغة في القاعات لا يسيء إلى النظافة العامة فحسب، بل يوجه رسالة سلبية عن غياب ثقافة الانضباط واحترام المكان. الجامعة التي يُفترض أن تكون نموذجًا للوعي والرقي، تتحول بفعل هذه السلوكيات إلى مساحة مشوهة، يفقد فيها الطالب والإداري والزائر على حد سواء الإحساس بالجمال والانتماء. أما الكتابة على الجدران والمقاعد، فهي صورة أخرى للتعدي على الممتلكات العامة، وكأن الطالب ينظر إلى القاعة على أنها “مستعارة لوقت قصير”، لا ملكية جماعية تستحق الاحترام والصون.

الأخطر من ذلك هو انتشار التدخين في أروقة الجامعات وقاعاتها، رغم وضوح القوانين والتعليمات التي تمنعه. التدخين ليس سلوكًا فرديًا فقط، بل اعتداء مباشر على حق الآخرين في بيئة صحية، وإضرار بصورة الجامعة كمؤسسة علمية يفترض أن تقود التغيير نحو مجتمع أكثر وعيًا. حين يرى الزائر أو الطالب الجديد الممرات مليئة بالرماد وأعقاب السجائر، فإنه لا يحتاج إلى تقرير أو إحصائية ليحكم على حجم الفجوة بين الشعارات والواقع.

المسؤولية هنا لا تقع على الطالب وحده، بل هي مسؤولية ثلاثية الأبعاد. أولًا، الطالب نفسه الذي يفترض أن يترجم تعليمه إلى سلوك يحترم المكان العام. ثانيًا، إدارة الجامعة التي لا يكفي أن تضع لافتات التحذير، بل عليها أن تبتكر أساليب تربوية وإجرائية لضبط السلوكيات، من خلال الرقابة، والحملات التوعوية، وتخصيص أماكن للتدخين بعيدًا عن المرافق الأكاديمية. ثالثًا، المجتمع الأوسع، الذي يجب أن يعيد تشكيل الخطاب الثقافي بحيث يربط بين النجاح الأكاديمي وبين السلوك الحضاري، فلا قيمة لشهادة عالية يحملها طالب لا يحترم مقعده أو قاعة محاضراته.

إن مواجهة هذه الظواهر تتطلب رؤية أعمق من مجرد زيادة عمال النظافة أو فرض غرامات. المطلوب هو بناء ثقافة طلابية ترى في الجامعة بيتًا ثانيًا، وفي المرافق العامة أمانة جماعية. يمكن للجامعات أن تطلق برامج بعنوان “جامعتي مسؤوليتي”، تُشرك فيها الطلبة مباشرة في حملات التوعية والتنظيف الدوري، بما يعزز الإحساس بالانتماء ويحوّل السلوك الإيجابي إلى عادة راسخة. كما يمكن إدخال مفاهيم المسؤولية البيئية والصحية في المساقات الجامعية والأنشطة اللاصفية، لتصبح جزءًا من التكوين الشخصي للطالب لا مجرد توجيهات إدارية.

إن الاستثمار في الأبنية والتجهيزات والمرافق لا يقل أهمية عن الاستثمار في الإنسان، لكن الحفاظ عليها هو الامتحان الحقيقي لنجاح الرسالة الجامعية. الجامعة التي تفشل في حماية مرافقها لا تستطيع أن تقنع الآخرين بأنها قادرة على إنتاج معرفة أو صناعة مستقبل.

المطلوب اليوم ليس فقط فرض قوانين أشد صرامة على التدخين أو الكتابة على الجدران، بل تربية جيل جامعي يعي أن كل فعل صغير – من ترك ورقة في الممر إلى احترام القاعة – هو تعبير عن وعي وانتماء. هذه هي المسؤولية الأخلاقية والتربوية الحقيقية: أن نغرس في طلابنا احترام المكان كما نغرس فيهم حب العلم.

فالجامعة التي تُصان مرافقها، وتُحترم بيئتها، ستبقى عنوانًا للوعي والحضارة، وستخرج أجيالًا تحمل الشهادة والسلوك معًا، وتُترجم قيم التعليم إلى ممارسة يومية تحفظ للمكان قدسيته، وللمجتمع صورته الحضارية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :