facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المدارس بين القلب والعقل


فيصل سلايطة
30-10-2025 01:16 AM

في زمنٍ تتسارع فيه التغيّرات وتتعقّد التحدّيات، لم يعد التعليم مجرّد جدران وصفوف وكتب، بل أصبح مشروعًا مجتمعيًا شاملًا يبدأ قبل المدرسة، ولا ينتهي بعدها. فالعقل وحده لا يبني الإنسان، كما أن العاطفة دون توجيه لا تصنع جيلًا منضبطًا. من هنا، يصبح السؤال الجوهري: من يعلّم أكثر؟ القلب أم العقل؟

في اليابان مثلًا، تبدأ التربية قبل أن يدخل الطفل الصف الأول. فالعائلات والمدارس التمهيدية تتعاون على غرس مفاهيم المسؤولية الجماعية، النظافة، النظام، والاحترام. الطفل الياباني يتعلّم كيف يطوي بطانيته، ويشارك في تنظيف الصف والممرات. هذه التفاصيل الصغيرة تُشكّل أساس ما يُعرف بـ"ثقافة الانضباط الذاتي"، وهي ليست نتاج التعليم فقط، بل نتاج البيئة الاجتماعية بأكملها.

في المقابل، في كثير من الدول العربية، يذهب الطفل إلى المدرسة محمّلًا بتوقعات أكاديمية عالية، لكن دون تدريب كافٍ على إدارة ذاته وسلوكه. العائلة تركز في الغالب على التحصيل، لا على التكوين. وهكذا، تبدأ الفجوة منذ اليوم الأول: فجوة بين من يتعلم ليعرف، ومن يتعلم ليصبح.

في سنغافورة، التجربة مختلفة لكنها متكاملة. المدارس هناك ليست فقط لتلقين العلوم، بل لتشكيل مواطن متفكّر ومنضبط. يشارك الطلبة في مشاريع خدمة مجتمعية، ويتعلمون منذ الصغر أن النجاح لا يُقاس بالدرجات فقط، بل بمدى تأثيرهم في مجتمعهم. نظامهم التعليمي يشجع على التفكير النقدي والانفتاح على الآخر، دون أن يفقد التلميذ حسّه بالواجب والانضباط.

أما في مدارسنا العربية، فالتحدي الأكبر يكمن في المنهج والعقلية. التركيز ما زال على الامتحان، لا على التجربة؛ على المعلومة، لا على المعنى. الطفل يخرج من المدرسة حافظًا لا فاهمًا، متعبًا لا ملهمًا...في ذوبان تام بالروتين.

بينما في اليابان وماليزيا وسنغافورة، المعلم هو قدوة، لا ناقل معرفة — لأنه يجمع بين العقل في التعليم، والقلب في التوجيه.

حين يغادر الطالب المدرسة في اليابان أو سنغافورة، لا تنقطع التربية. فالمجتمع هناك امتداد للمدرسة: القوانين تُطبّق بعدل، الشوارع نظيفة، السلوك العام منضبط، والناس يراقبون أنفسهم بدافع داخلي، لا خوفًا من سلطة. هذا هو التعليم المستمر — حين يصبح الانضباط عادة لا فرضًا.

أما في دولنا، فالمشكلة أن المدرسة تنتهي بانتهاء الجرس. المجتمع لا يكمّل الرسالة، بل يناقضها أحيانًا. يرى الطفل معلمه يتحدث عن النظام، ثم يرى الازدحام والفوضى في الخارج. يرى حديثًا عن الأمانة، ثم واقعًا يناقضها. وهكذا يضيع الجهد بين قيم تُدرَّس وقيم تُنتهك.

من العوامل التي كثيرًا ما تُهمل في التعليم: التغذية. في اليابان، مثلاً، يتناول الطلاب وجباتهم في المدرسة ضمن برنامج تربوي متكامل؛ الوجبة تُحضَّر من مكونات محلية، والطلبة يتناوبون على تقديمها وتنظيف المكان. الهدف ليس التغذية فقط، بل غرس روح المسؤولية والتعاون.


ولا يمكن إغفال دور الأهل ، فهم الامتداد الضروري لهذه السلسلة ، حين يتحدّث الأب أو الأم عن الاحترام في البيت، يصبح المعلم في المدرسة امتدادًا طبيعيًا لتلك القيم. أما إن كان البيت مصدر تناقض، فالمدرسة تصبح ساحة مقاومة لا تعلم.

القلب والعقل: معلمان لا يفترقان

القلب يعلّم الرحمة، والعقل يعلّم الحكمة. الدول التي نجحت في صناعة أجيال منضبطة هي التي لم تفصل بين الاثنين ، فالتربية ليست علمًا جامدًا ولا عاطفة عابرة، بل توازن بين الفهم والإحساس.

الياباني يعتذر بصدق لأنه يشعر، والسنغافوري يعمل بجد لأنه يفهم قيمة النظام. بينما نحتاج نحن في عالمنا العربي إلى استعادة هذه الثنائية المقدّسة: أن نعلّم أبناءنا كيف يعيشون، لا فقط كيف ينجحون.

هذا لا يعني أن العالم العربي لا يعج بالنجاحات ، لكن المشكلة تكمل في النجاحات الفردية ، الحالات التي يمكن وضعها ضمن مسمى (الطفرة الايجابية) ، فكلنا درسنا و تتلمذنا على يد ثلة من المعلمين الرائعين...لكن الحالة العامة لا يمكن تقييمها حسب دوائرنا الضيقة..

التعليم وحده لا يكفي. نحتاج إلى تربية تشارك فيها الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والضمير. نحتاج إلى تعليمٍ يُشرك القلب بقدر ما يُنمّي العقل، إلى صفوف تُخرج الإنسان لا فقط المواطن.

وحين يتعلّم الطفل أن الانضباط قيمة داخلية، لا رقابة خارجية، عندها فقط... يصبح التعليم حياة، لا مرحلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :